وهكذا تم للعرب استيطان الجزائر بالرهبة من سيوفهم أولا وبالرغبة فيها أخيرًا، فأقطع لهم ملوك البربر الإقطاعات وأجزلوا لأمرائهم الصلات، وأضيفت إفريقيا الشمالية إلى جزيرة العرب جنسيا بعد ما تبعتها دينيا وسياسيا.
[نتائج النزوح الهلالي]
أرسل الفاطميون الهلاليين إلى المغرب انتقامًا من المعز ودولة صنهاجة الشرقية فنزحوا إليه لا حبا في نصرة الفاطميين ولا بغضا في صنهاجة، ولكن طلبًا للرزق بالتقلب في بواديه بين الصحراء والتل.
ولما دخلت رياح إفريقيا لم تبدأ بالشر حتى كان ما كان من قبض المعز على أسرة أميرها مؤنس، فحمل بسوء سياسته العرب على تنفيذ ما رسم لهم الفاطميون من تملك المناطق المعينة لهم.
كان عدد من أجاز النيل من رياح وزغبة وعدي يربو على ألف ألف نفس، المقاتلة منهم نحو خمسين ألفًا وسلاحهم سيف ورمح وقوس ودرع، وكان البربر يفوقونهم عُددًا وعَددًا ولكن تخاذلوا أمامهم فاكتسب العرب صيتًا ملأ قلوب السكان رعبًا، والرعب أهم أسباب الفوز في الحرب.
حصرت الحرب العرب في إفريقيا، ولم يزل إخوانهم يتواردون عليهم من المشرق، فضاق بهم ما احتلوه من الأوطان، ونتج عن ذلك خراب العمران وسوء حياة السكان، وأحصى عليهم الجغرافيون والمؤرخون حتى اقتلاع عود للوقود أو رفع حجر للأثافي.
بقيت الجزائر في نجوة من فساد الهلاليين حتى حالف الناصر بن علناس قبيلة الأثبج وخرج لامتلاك تونس، فأغرى به ابن عمه تميم بن المعز بقية العرب وكانت وقعة سببية سنة ٤٥٧ هـ فهزم الناصر، وتبعه العرب إلى القلعة.
قال ابن خلدون:"فنازلوها وخربوا جناتها واحتطبوا عروشها وعاجوا على ما هنالك من الأمصار مثل طبنة والمسيلة، فخربوها وأزعجوا ساكنيها، وعطفوا على المنازل والقرى والضياع والمدن فتركوها قاعًا صفصفًا أقفر من بلاد الجن وأوحش من جوف العير! وغوروا المياه واحتطبوا الشجر وأظهروا في الأرض الفساد" ا هـ.