شمالي الحجاز فخشى أن تفسد عليه البلاد والطرق والعربان الساكنين في فلسطين، فأرسل من يتربص بأخبار هذه القبائل وقد عرف أمر الجواسيس الذين أرسلوهم إلى غزة لجس البلاد وقد أرسل عساكره للقبض على هؤلاء، وقيل أن الشخص المُطَيْري المُرسل لبني عُقبة هو الذي أوشى عليهم وقد سار إلى حاكم غزة وأخبره الخبر، فلما سأله عن سبب هجرة هذه القبائل نحو غزة وأعدادها وزعمائها وأمزجتهم فهاله ما علمه من كثرة أعدادهم ورجالهم وخيولهم، وقال المُطَيري أنهم عبروا نقب الصفا نحو غزة ولن يردهم شيء، ونقب الصفا هو المدخل من شمالي غرب وادي عربة إلى بلاد بئر السبع وغزة بفلسطين.
وبعد تفكير ومشورة سأل حاكم غزة المملوكي الرجل المُطَيْري أن يفتن بين القوم بعضهم ببعض بعد ما علم بصغر من أمير المساعيد وميله الشديد وحبه للنساء والجمال، وأغرى الحاكم ذلك المُطَيْري بالمال الوفير والعطاء الجزيل والسماح له ولعشيرته بالتوطن في ديار غزة، فأخبره المُطَيْري أنه يستطيع فتنة القوم ذلك أنه طنيب على أمير بني عُقبة داود وأن له ابنة جميلة سيزينها ويجعل أمير المساعيد يراها بحضور أمير بني عُقبة، وهكذا كان فقد أعطى الحاكم للمُطَيْري ألبسة وزينة لابنته البدوية ليزينها ويسحر بها أمير المساعيد لتقوم الفتنة بينه وبين صديقه أمير بني عُقبة، فعاد المُطَيْري إلى القوم شأنه كشأن العيون الآخرين المُرسلة إلى غزة ولم يعلم أحد بشيء مما تم التخطيط له.
واقعة المُطَيْرية
حدثت هذه الواقعة في شمالي غرب وادي عربة إلى الجنوب الغربي من البحر الميت في الجزء الواقع بأرض فلسطين من وادي عربة، في موضع يعرف هناك باسم عين الحصب وحصى المدرة عند مصب نقب غارب إلى الجنوب الشرقي منه، وعلى عين الحصب كان ثمة شجرة سدر قديمة ضخمة تُعرف بشجرة الحصب لوقوعها على عين الحصب، وقد ذكر الدبَّاغ فقال في حديثه عن عين الحصب: أنها تقع على بعد ٣٦ كيلو من البحر الميت وسبعة كيلو مترات من الحدود الأردنية، قال: وقيل أن فيها شجرة قديمة عملاقة لها من العمر آلاف السنين. وقال قسطنطين خمار يذكرها عند ذكره لعين الحصب: توجد بقربها شجرة ضخمة جدًّا