للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسكت عنه يزيد فقال: بَصْبَصنَ إذ حُدين! ثم أعاد، فسكت عنه يزيد، فقال: بَصْبَصنَ إذ حُدين! فقال له يزيد وما على أمير المؤمنين أن لا يعرف هذا؟ هو القراد أشبه الدواب بك، وكان كُثَيِّر قصيرًا متقارب الخلق، فحجب عن يزيد فلم يصل إليه، فكلم مسلمة بن عبد الملك يزيد فقال: يا أمير المؤمنين، مدحك؟ قال: بكم مدحنا؟ قال بسبع قصائد: قال: سبعمائة دينار، واللَّه لا أزيده عليها.

نهاية كُثَيِّر:

قال لما حضرته الوفاة:

بُرِّئْتُ إِلَى الإِلَهِ مِنْ ابْنِ أَرْوَى … وَمِنْ دَيْنِ الخَوارجِ إِجْمَعِينَا

وَمِنْ عَمْرٍ بَرِئْتُ وَمِنْ عَتِيقٍ … غداة دُعي أَميرَ المومنينا (١)

بكى بعض أهل كُثَيِّر عليه وهو في رمقه الأخير يودع الحياة، فقال كُثَيِّر: لا تبك فكأنك بي بعد أربعين ليلة تسمع خشفة نعلي من تلك الشعبة راجعًا إليكم.

مات كُثَيِّر وعكرمة مولى ابن عباس في يوم واحد فاجتمعت قريش في جنازة كُثَيِّر ولم يوجد لعكرمة من يحمله، وذلك في سنة خمس ومائة.

فقال الناس: مات اليوم أفقه الناس، وأشعر الناس.

وجاء أيضًا: فما تخلفت امرأة بالمدينة ولا رجل عن جنازتيهما، وغلب النساء على جنازة كُثَيِّر يبكينه ويذكرون عزَّة في ندبتهن له، وقد جاوز ثمانين سنة، بسنة أو اثنتين. وكانت وفاته في خلافة يزيد بن عبد الملك (٢).

وكان كُثَيِّر متزوجًا وله أولاد، ولكن العشق عنده فجر قريحته وله قصيدة جميلة نذكر منها عدة أبيات ويمكن العودة إلى ديوانه:

خليليَّ هذا ربعُ عُزَّة فاعْقِلا … قلوصَيكما ثمّ أبكيا حيثُ حلَّتِ

وما كنتُ أدري قبلَ عَزَّةَ ما البكا … ولا موجعات القلب حتى تولَّتِ

فقلتُ لهَا يا عزَّ كلُّ مصيبة … إذا وُطِّنَت يومًا لها النَّفسُ ذَلَّتِ

وواللَّهِ ثُمَّ اللَّهِ ما حلَّ قبلها … ولا بَعْدَها من خُلَّةٍ حيث حَلَّتِ (٣)


(١) خزانة الأدب ٥/ ٢٢٤.
(٢) الأغاني ٩/ ٤، ٣٦، ومعجم الشعراء ٤٢٢.
(٣) خزانة ٥/ ٢١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>