لم يذكر ابن خلدون قبائل هذا الشعب وبطونه، واكتفى بالقول أن في قبائل المغرب كثيرا منهم وأن بقاياهم كانت لعهده في ضواحي تونس والجبال المطلة على المسيلة، وإذا كنا لا نستطيع أن نعرف هذه القبائل والبطون بأسمائها الفرعية فإننا نستطيع معرفة قبيلة وبطون قليلة تحمل اسم عجيسة، فالقبيلة تقع على بعد ٢٦ كم إلى الجنوب الغربي من مدينة بجاية، والبطون مندمجة في قبيلة الحضنة الشرقية (دوار الجزار - بريكة)، وقبيلة الأعراش (دوار رأس تالا تينزار - الكركور)، وقبيلة الساحل القبلي (دوار ذرا قبيلة - الكركور) بالمغرب الأوسط.
[مواطن البربر في القديم]
ليس من الهين على المؤرخ أن يرسم خريطة تحدد بتدقيق مواطن القبائل البربرية في القديم أو على الأخص عند ظهور الإسلام الذي أحدث مجيئه إلى المغرب عدة تحولات جذرية وتطورات عميقة في جميع الميادين ومنها ميدان الاختلاط السلالي وميدان استيطان السكان، فالقبائل المغربية عاشت من أقدم العصور إلى العصر الحديث عصر الاحتلال الأوروبي لبلاد المغرب حرة طليقة تنتقل من جهة لأخرى إما انتجاعا للمرعى وطلبا للرزق، وإما اضطرارا تحت ضعف الأحداث القبلية وتنفيذ الأوامر الحكومية، فهي لم تكن تتقيد بقوانين الهجرة أو تخضع لشروط الاستيطان التي عرفت فيما بعد، كما أن نظم الحدود والتبعيات السياسية ومراقبة المسافرين لم يكن لها وجود يومئذ، فالعقيدة الدينية كانت فوق جميع الاعتبارات السياسية، والمواطنة الإسلامية كانت هي الجواز المشترك العام الذي يخول لكل مسلم أن ينتقل عبر بلاد الإسلام كافة ويستقر منها حيث يشاء معتبرا في كل منها مواطنا له ما لأهلها الأصليين من حقوق وعليه ما عليهم من واجبات.
ومن جهة أخرى لم يعن المؤرخون والجغرافيون المسلمون في الصدر الأول للإسلام بدراسة المجتمعات القبلية دراسة دقيقة وضبط المواطن التي تستقر بها كل قبيلة، وإنما كانوا يكتفون بالإشارة العابرة إلى ما يحيط بالمدن والقرى من قبائل ويسكن بها، وإلى ما قد يكون من مدن وقرى في مجالات القبائل وبين ديارها، ولعل ذلك لم يكن ناشئا عن غفلة منهم، وإنما مرده إلى القبائل ذاتها التي لم يكن