يقر لها في موطن قرار، لإيلافها النقلة والترحال، وإدمانها على النجعة والتجوال.
ويرجع الفضل إلى ابن خلدون في إعطاء معلومات مفصلة عن قبائل المغرب وتوزيع مواطنها، فالذين سبقوه لم يعتنوا بتصنيفها تصنيفا منهجيا مرضيا حسب الترتيب الزمني الصحيح ولم يميزوا بين القديم منها والحديث، أما هو فقد تتبع شعوب البربر وقبائلهم شعبا شعبا وقبيلة قبيلة، وبين مواطنها الأصلية وتنقلاتها من جهة إلى جهة واستقرارها في المواطن التي انتهى بها المطاف إليها على عهده، معتمدا على كتب من سبقه من النسابين والمؤرخين ولا سيما البربر منهم ومضيفا خبرته وتجاربه وما له من معلومات خاصة، فلقد كان أحد رجالات الدول المغاربية النابهين في القرن الثامن الهجري، وعمل في أدنى المغرب مع بني حفص كما عمل في أقصاه مع بني مرين، واستقر في وسطه بين مجالات العرب وأحياء البربر حيث ألف تاريخه الكبير، واطلع على خزائن كتب الملوك ووثائق الحكومات، وسمع من أفواه الوزراء والكُتَّاب والعمال والشيوخ المحنكين، فلا غرو أن يعتمد عليه المؤرخ في تحديد مساكن البربر وضبط مواطنهم في المدة الواقعة بين الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي ودخول العرب الهلاليين وأحلافهم في القرن الحادي عشر الميلادي، بل وفي ضبط مساكن هؤلاء وأولئك إلى الوقت الذي رحل فيه من المغرب ليقضي بقية حياته في المشرق.
وإذا ألقينا نظرة عامة على مواطن البربر في الشمال الأفريقي لأول الفتح الإسلامي نجد أن البتر منهم اختصوا بسكنى إقليمي برقة وطرابلس وشط الجريد وجبل أوراس وبلاد الزاب ثم تصعد مواطنهم إلى الشمال في جهات تاهرت حتى تصل إلى جبال الظهرا ومجرى نهر شلف فتطل من هناك على البحر فاصلة قبائل صنهاجة وكتامة البرنسية بالشرق على أخواتها بالغرب، ثم تسير مغربة حتى تجاوز نهر ملوية إلى حدود بلاد الريف وجبال التسول وغياثة والبرانس حيث تبتدئ مواطن البرانس من صنهاجة وكتامة ومصمودة بالمغرب الأقصى، وإلى الجنوب من كل ذلك توجد مواطن القبائل البرنسية التي ينتمي جلها في الشرق إلى هوارة وفي