وفي أحد الأيام مر رجل من ولد محمد قرب نخل بني عروة - وكان لا يمر أحدهم بأرض الآخرين إلا رمي بالرصاص - فرماه العرويون فاخطأوه. فعدت بنو محمد على بني عروة فقتلوا منهم رجلين ففر العرويون فأحرق المحمديون النخل، وأقاموا فيه ثلاثة أيام يحرقون ويقلعون حتى أتتهم الشرطة من المدينة فأخذوا ووضح منهم في السجن ثلاثون منهم أمير الحوافي. وكثر خروج الهيئات الحكومية إلى تلك الأرض ولا زالت القضية قائمة في عامنا هذا (١٣٩٣ هـ). وكانت الوقعة في عام ١٣٨٥ م أو ١٣٨٦ هـ.
سادسًا، أيام بني حَرْب مع عنزة
فيما تقدم ذكرنا عن الهمداني: أن قبيلة عنزة ناصبت بني حرب العداء منذ نزولها أرض الحجاز. وأن حربًا أجلت عنزة إلى أعراض خيبر.
ولكن يظهر من ملابسات التأريخ أن عنزة استطاعت العودة إلى أكناف المدينة المنورة. حيث يروي المعمرون من حرب عن أسلافهم أن المكان من المدينة المسمى اليوم (العَطَن) كان معطان إبل ابن هَذَّال أمير عنزة، وأن سقيها كان من (عين زكي) تلك العين المعروفة إلى اليوم بطرف سلع من الشرق، فأدخلت في سقي المدينة المنورة. ويذكرون أيضًا أن ابن هذال كان يربع حول الحناكية وهي حينئذ بئر وليس بها بلد عامر، فكان ينزلها بمجرد الانتهاء من صرام نخل المدينة.
وإن حربًا ما كانت تنزل تلك الديار إلا في جواره وذمته، ولا بد أن العداء كان مستحكمًا لعدة أسباب: منها أن طبيعة القبيلتين مختلفة، فحرب أناس سريعو التأثر حافظون لحقوق الجار يكرهون أن يستهزئوا بالعدو أو يهجوه بالشعر، ولكن حربهم يسبق قولهم، وإذا ألقيت نظرة في شعر الحماسة في البادية المحيطة بحرب تجد أن هجاء أعداء حرب تسير به الركبان، ولا تجد قولًا واحدًا من هذا الهجاء.