عاصمتان يصلهما طريق مُعبَّد ومُمهَّد، وعهد المنصور يوصف بالعهد الذهبي كعهد أبيه، فقد استعاد هذا الأمير الصنهاجي مدينتي عنابة (بونة) وقسنطينة وكان الأمراء السابقون لأبيه من بني حماد قد تنازلوا عنها لبني ريري، ثم صار الناصر أميرًا عليهما ثم خرجتا عن طاعة الحماديين، وعمد بعد ذلك إلى إخضاع أهل القبائل الذين كانوا يحطُّون رحالهم بالأقاليم المحيطة بميناء بجاية، وعنى عناية خاصة بأن يدفع عن مملكته غائلة المرابطين؛ ولا سيما أن يوسف بن تاشفين مؤسس الدولة المرابطية كان في ذلك الحين قد أخضع الجزء الغربي من القطر الجزائري لحكمه ووصل في فتوحه إلى تخوم دولة بني حماد بعد أن أوقف تقدم إفرنجة الأندلس في الزلاقة عام ٤٧٩ هـ - ١٠٨٦ م، وتوصل إلى خلع أمراء الأندلس وأضحى سيد هذه البلاد دون منازع، وعندما استولى المرابطون على تلمسان غربي القطر الجزائري عام ٤٧٤ هـ - ١٠٨١ م استخدم المنصور بن الناصر الحمادي العرب الهلالية من الأثبج في شن الغارات على جيش المرابطين (بالمغرب الأقصى) إلى أن هزمهم في جبل تسالة واستولى مرة أخرى على تلمسان عام ٤٩٦ هـ - ١١٠٢ م، وقد أوقف تقدمهم وردهم إلى المغرب بعد أن كانوا قد وصلوا في رحفهم إلى مشارف مدينة الجزائر، ثم وجه المنصور حملات موفقة على البربر وكانوا قد أثاروا الفتنة في عدة أقاليم فاستطاع بإخمادها أن يعيد الأمن إلى نصابه في مملكته وأن يدخل الطمانينة على نفوس رعاياه، ولم يُقصِّر المنصور في توسيع نطاق العمران بمدينة بجاية عاصمة مملكته الثانية فزيَّنها بالبنايات الفخمة التي كان أهمها قصر النجمة، وتوفي المنصور عام ٤٩٨ - ١١٠٤ م وتولى الحكم لدولة بني حماد خليفته وولي عهده العزيز.
[عهد العزيز بن المنصور بن الناصر بن علناس الحمادي الصنهاجي]
أخذت عوامل الاضمحلال تدب في كيان دولة بني حماد وبدأ سلطانها ينكمش ويضعف، ذلك أن العزيز الذي استغرق عهده الفترة الواقعة بين عامي ٤٩٨ هـ - ٥١٥ هـ / ١١٠٤ م - ١١٢١ م لم يحرز غير انتصارات مؤقتة لم تكن ذات أثر حاسم، ففي مستهل حكمه جهز أسطولًا فغزا جزيرة جربة التونسية، واستطاع من جهة أخرى أن يهزم جيوش العرب الهلالية وأن يسترد إقليمي الزاب والحضنة (بالجزائر) اللذين كان بنو هلال بمعاونة بني سُلَيْم ومغراوة طرابلس قد