للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[موقف آخر. .]

وشبيه بموقف باهلة من تميم في يوم الكُلاب ما جرى من قبيلة غَنِيٍّ في إنْجَاد بني ضبة حين أخذ النعمان بن المنذر إبل أحدهم، ويظهر أن باهلة مع غنيّ، إذ القبيلتان كانتا في العهد الجاهلي متحدتين، قال الأصمعي (١): خرج النعمان بن المنذر -وكان كسرى عمله على العرب- فمر على إبل لسنان بن عائذ الضبي من بني عبس بن ضبيب، فقال: ما رأيت كاليوم إبلا ليست لملك، وكانت العرب إذا بلغت إبل الرجل ألفًا فقأ عين جمل منها، فأمر بها فاستيقت فأتى غنيًا الصريخ وهم بالرخيمة بين سلمى وَرَمَّان، فجاءت غني حتى ردتها وأخذوا إبلا للملك واستاقوها، وكانت تعرف في إبلهم حتى جاء الإسلام، فقال طفيل في هذه القصة قصيدته التي مطلعها (٢):

أَبَيْتَ اللَّعِنَ والرَّاعِي مَتَى مَا … يَضِعْ تَكُنِ الرَّعَيَّةُ لِلذِّئابِ

فَيُصْبِح مالُه فَرْسَى ويُفرش … إلى ما كان من ظفرٍ ونَابِ

ولباهلة موقف مشرف شبيه بموقفها مع بني تميم، افتخر به شاعرها ابن أحمر حين قال (٣):

ومَا الَّذي يَحْمِي بِمُهْجَةِ نَفْسِهِ … بِبَنِي عَامِرٍ يَوْمَ المُلُوك القَمَاقِمِ

فَوَرَّطهُمْ وَسطَ البَيَاضِ كَأَنَّهُمْ … عَلَى الشَّرَفِ الأَقْصى الضِّراءُ اللَّوازمِ (٣)

وأوضح الخبر البكري فيما أورده في "معجم ما استعجم" قال: وجاء قوم من أهل اليمن يطلبون بني عامر، فقال رجل من بني صَحْب وهم من باهلة: تعالوا أدلكم عليهم، فركب بهم هذه الفلاة حتى مات، وماتوا. انتهى.

ويظهر من شعر ابن أحمر أن أولئك الغزاة كانوا ملوكًا، ومن عادة ملوك اليمن محاولة بسط نفوذهم على العدنانيين، وأقرب من يلي بلادهم بنو عامر، ويظهر أن الباهلي التقى بهم في حدود منازل القبائل اليمنية من مَذْحِج، على


(١) "ديوان طفيل الغنوي": ٩٠.
(٢) ديوانة: ١٤٤.
(٣) اللوازم: الي تلزم الصيد. يعني قحمهم كما تطلب الكلاب الصيد "معجم ما استعجم": رسم (البياض).

<<  <  ج: ص:  >  >>