للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قصة الجَحَّاف السُّلَمي مع الأخْطَل الشاعر التَغْلِبي

كانت بنو تَغْلِب (١) قد قتلت كثير بن الحباب السُّلمي (من بني سُلَيْم)، بعدها صادف أن قدَم الأَخْطَل التَغْلبي الشاعر الشهير على الخليفة عبد الملك بن مروان الأموي في دمشق، وكان الجحَّاف بن حكيم السُّلَمي جالسًا عنده، وقد كان يجيد الشعر ومن الصحابة والفرسان المشهورين، فأنشد الأخطل قائلًا:

ألا سائل الجحاف هل هو ثائر … بقتلى أصيبت من سُلَيم وعامر؟

عامر: يقصد بني عامر بن صعصعة من (هوازن بن منصور).

فلم يرد الجحَّاف السُّلَمي بأي شعر أمام الخليفة، وقد عرف أن الرد لا ينفع إلا بحد السيف ما دام قد عيَّره الأخَطل علنًا في حضرة الخليفة، فخرج الجَحَّاف السُّلَمي مغاضبًا يجُر مطْرَفه. فقال عبد الملك بن مروان للأخطل: ويحك أغضبته وأخلق به أن يجلب عليك وعلى قومك شرًّا، فكتب الجَحَّاف عهدًا لنفسه من عبد الملك، ثم ذهب إلى قومه من سُلَيم ودعاهم للخروج معه، فلما وصل معهم إلى البِشْر وهو موضع لتَغْلِب نادى في فرسان سُلَيْم وقصَّ عليهم ما حدث له من الأخطَل أمام الخليفة، ثم قال لهم: قاتلوا عن أحسابكم أو موتوا، فأغاروا على بني تَغلِب بالبشر وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، ثم قال الجَحَّاف يجيب الأخْطَل:

أبا مالك هل لمتني إذ حضضتني … على الثأر أم هل لامني منك لائمي

متى تدعني أخبرى أجبك بمثلها … وأنت امرؤ بالحق لست بقائمِ

فقدم الأَخْطَل التَغْلِبي على الخليفة عبد الملك بن مروان فلما مثل بين يديه أنشأ يقول:

لقد أوقع الجحَّاف بالبشر وقعة … إلى الله منها المشتكى والمِعْوَل

فإن لم تُغيِّرها قريش بعدلها … يكن عن قريش مُستمارٍ ومُزْحَل

فلما طلب عبد الملك بن مروان الجَحَّاف السُّلَمي ليقتصَّ منه في قتلى بني تَغْلب هرب إلى بلاد الروم ثم بعد فترة استأمن ورجع إلى قومه، وقيل أنه تنسَّك نسكًا صحيحًا ومال إلى العبادة وتاب الله عليه (عن الجمهرة لابن حزم).


(١) تَغْلِب: هم بنو تَغْلِب بن وائل من ربيعَة بن نِزار بن مَعْد بن عَدْنان.

<<  <  ج: ص:  >  >>