حتى إذا كان بأرض خَثْعم عرض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قبيلتي شهران وناهس، ومن تبعه من قبائل العرب فقاتله، فهزمه أبرهة وأخذ نفيلا أسيرًا فلما هم بقتله قال له نفيل: أيها الملك لا تقتلني فإني دليلك في أرض العرب فخلي سبيله. وخرج معه نفيل يدله، إلى أن قال: فلما تهيأ أبرهة لدخول مكة وجهوا الفيل إلى مكة فأقبل نفيل بن حبيب الخثعمي حتى قام إلى جنب الفيل ثم أخذ بأذنه فقال: ابرك محمودا أو ارجع راشدا من حيث جئت فإنك في بلد الله الحرام، ثم أرسل أذنه فبرك الفيل وخرج نفيل بن حبيب فصعد الجبل، وضربوا الفيل ليقوم فأبى فضربوا رأسه وأدخلوا محاجن لهم في مرقه ليقوم فأبى فأرسل الله عليهم طيرًا من البحر، أمثال الخطاطيف مع كل طائر منها ثلاثة أحجار أمثال الحمص لا تصيب أحدًا منهم إلَّا هلك وليس كلهم أصابت وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق إلى اليمن، فقال نفيل حين رأي ما نزل بهم من نقمة:
أين المفر والإله الطالب … والأشرم المغلوب ليس الغالب
وقال:
ألا حييت عنا ياردينا … نعمناكم مع الإصباح عينا
ردينه لو رأيت - ولا تريه … لدى جنب المحصب ما رأينا
إذا لعذرتني وحمدت أمري … ولم تأسي على مسافات بينا
حمدت الله إذا أبصرت طيرًا … وخفت حجارة تلقي علينا
وكل القوم يسأل عن نفيل … كأن علي للحبشان دينا (١)
٢ - قتالهم بُجيلة ونفيهم عن السراة
قال ابن الكلبي - في كتاب الافتراق - كما نقله عنه البكري وياقوت:
فظعنت بُجيلة وخَثْعم ابنا أنمار إلى جبال السروات، فنزلوها وانتسبوا فيهم فنزلت قسر بن عبقر بن أنمار جبال حلية وأسالم وما صاقبها من البلاد، وأهلها يومئذ حي من العاربة الأولى يقال لهم بنو ثابر فأجلوهم عنها، وحلوا مساكنهم
(١) ابن هشام "السيرة النبوية" تحقيق عمر عبد السلام، ج ١، ص ٦٨.