للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأعراب - في استحكام دينه وولايته في نفسه دون تابعه، فإذا هلك انحلَّ أمرهم وتلاشت عصبيتهم، وقد وقع ذلك بإفريقية (تونس) لرجل من كعب من علَّاق بن عوف بن بُهْثَة من سُلَيْم، يُسَمَّى قاسم بن مُرّة بن أحمد في المائة السابعة".

أبو محمد السُّلَمي

كان أبو محمد السُّلَمي، كاتب الأمير محمد بن سعد بن مردنيش، فهو موظف رسمي، وكانت له لماحية وذكاء وثقافة واسعة، حدَث أن وزير ابن مردنيش بمرسية الذي هو: عبد الرَّحمن بن عبد الملك تحاور - ذات يوم - بين يدي الأمير مع حاتم بن سعيد من ذرية عمار بن ياسر، وكان صاحِبَ آراء الأمير ومن ذوي الخاصة من وزرائه، فقال عبد الرَّحمن بن عبد الملك يخاطب الأمير ويلمز حاتمًا: لعل الأمير اغتر بسماع اسمه: (اسم حاتم)، ما فيه من الكرم إلَّا الاسم، فقال حاتم: ولعلَّ الأمير اغتر بسماع أمانة عبد الرَّحمن وما عنده من الأمانة إلَّا الاسم، وكان عبد الرَّحمن بن عبد الملك هذا بيده المَجابي والأعمال، فقدمه على وزرائه.

فقال الأمير محمد بن سعد بن مردنيش - وقد ضحك -: الأولى فَهِمْتُ ولم أفهم الثانية، (يقصد أنه فهم خُلُوُّ حاتم بن سعيد من الكرم، وإن كان اسمه على اسم (حاتم طيئ)، ولم يفهم النكتة الثانية التي رمز إليها حاتم بن سعيد في غمزه لعبد الرَّحمن بن عبد الملك وزير الجباية والخزانة، وعندئذ انبرى الكاتب أبو محمد السُّلَمي - فشرح للأمير ابن مردنيش ما رمز إليه حاتم من الطعن في أمانة عبد الرَّحمن بن عبد الملك بأن قال للأمير: (إن حاتمًا أشار إلى قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في "عبد الرَّحمن بن عوف" - رضي الله عنه: (أمين هذه الأمة، وأمين في أهل السماء، وأمين في أهل الأرض) (١)، ومعنى ذلك أن عبد الرَّحمن بن عبد الملك الأمين لديك أيها الأمير رسميًّا على جباية الأموال والأعمال، وإن كان اسمه على اسم عبد الرَّحمن بن عوف" الذي هو أمين حقًّا وصدقًا، فإنه - أي عبد الرَّحمن بن عبد الملك ليس أمينًا فعلًا، وعندما شرح أبو محمد السُّلَمي الكاتب هذا المعنى العميق لهدف حاتم بن سعيد البعيد "طرب الأمير ابن مردنيش"


(١) الإحاطة بأخبار غرناطة - للسان الدين الخطيب، ص ٤٩١ و ٤٩٣، طبع دار المعارف بمصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>