للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[طرائف للتنبيه العقول]

بعد القصيدة النونية (صرخة هُتيم)، أختم سردي في هذا البحث الهام عن هذه القبيلة بهذه القصة الطريفة، علَّها تكون تنبيهًا آخر للعرب جميعًا، بأن جميع قبائل وبطون العرب من بني عدنان وبني قحطان من قديم الزمان، كانت هدفًا للطعن فيها وعُرضة للسب سواء في أنسابها أم أفعالها أم عاداتها، كما تؤكد أيضًا أن لكل قبيلة مثالب ومساوئ، ولكل قوم إحسان وإساءة.

كما توضح لنا هذه القصة أن الطعن في حد ذاته هو داء عُضال عندنا نحن العرب منذ الجاهلية الأولى، وسيبقى هذا الداء اللعين بيننا للأسف إلى أن تقوم الساعة وتنتهي الحياة على وجه الأرض، كما أخبرنا نبينا الصادق الأمين قائلًا - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثة أمور من الجاهلية تبقى في أمتي إلى يوم القيامة هي الطعن في الأنساب، والنياحة على الميت، والاستسقاء بالنجوم". وعن هذه القصة الآتي ذكرها، توضح أيضًا لكل لبيب عاقل أن الإيذاء سهل ميسور، وتوجيه الطعن لأي قبيلة ووصمها بما ليس فيها ليس صعبًا، حتى لو كان هذا الطعن شعرًا منظومًا.

حقا كيف يصعُب عند أهل الفصاحة وأصحاب لغة الضاد، وقد سُموا عربًا لسرعة إعرابهم عن حاجتهم بفصاحة لسان وحسن بيان، ونعوذ بالله من ألسنتنا، وصدق المصطفى - صلى الله عليه وسلم - حينما قال: "وهل يُكبُّ الناس على وجوههم في النار يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم". فحذاري أيها العرب ثم حذاري من إيذاء إخوانكم العرب المسلمين الموحدين لله، وحتى غير العرب من أي جنس ما إن نطقوا كلمة لا إله إلا الله، وإن تجنبتم ذلك ربحتم البيع ونجوتم بن عذاب الملك الجبار يوم الحساب وعند الميزان، وما أدراك ما الميزان، إنه ميزان الحَكَم العدل الخبير الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

وهذه القصة الطريفة أذكرها لمجرد العبرة والاعتبار، فهذه الشاعرة بطلة القصة من بني عامر بن صعصعة من هوازن، وهنا نقول إن من هوازن نساء قادرات على طعن القبائل، ومن العجيب أن يكون هُتيم بن عوف من هوازن، وقد صار هذا الحي الهوازني كما رأيتم مضرب الأمثال الطعن ولم تنفعه هوازن برجالها ونسائها، وكما يقولون: فلا يسلم الشرف الرفيع من الأذى، وما قدَّره الله وما شاء فعل بعباده.

<<  <  ج: ص:  >  >>