مضت السنون تتلوها السنون على انتشار الإسلام بالمغرب ودخول العرب إليه واستقرار جماعات كثيرة العدد منهم به، ولم يكن مر السنين وقيام الإمارات والممالك العربية والبربرية إلَّا ليزيد الإسلام قوة والعربية تمكينًا، فإن البربر منذ أسلموا حسن إسلامهم ولم تكن الفتن والثورات التي قاموا بها بالمغرب والأندلس منذ بداية القرن الثاني الهجري إلَّا احتجاجًا على الظلم واستنكارًا لعبث الولاة.
وكان انتظام المغرب والأندلس في سلك المملكة الإسلامية وما شاع في الشرق جمال طبيعتهما ووفرة خيراتهما وحسن نسائهما سببًا قويًّا في هجرة عدد من قبائل الجزيرة العربية وبادية الشام وما بين النهرين إليهما برسم الجهاد أولًا والاستقرار ثانيًا، كما كان بعدهما عن مقر الخلافة مغريًا لعدد كبير من المضطهدين السياسيين والدينيين باللجوء إليهما ونشر العقائد والمذاهب التي عجزوا عن نشرها بمواطنهم الأصلية بين أهلهما، وكذلك احتضنت الشعوب المغاربية المذهب الخارجي، وآوت إدريس بن عبد الله الكامل وأخذت بضبع المروانيين بعد ما قضي العباسيون على بني أمية، ومع أن دخول هذه الشخصيات والمذاهب إلى المغرب أحدث فيه كثيرًا من الهيجان والاضطراب فإنه كان أيضًا من العوامل القوية في شيوع اللغة العربية والإقبال على تعلمها ورواج الآراء المذهبية وانشغال العقول بها إلى أن استقرت الحالة بظهور مذهب أهل السنة على ما عداه من المذاهب، واقتداء النّاس في العقائد بأبي الحسن الأشعري وفي الفروع بمذهب مالك بن أنس إمام دار الهجرة، باستثناء فئات قليلة من أعوان الدولة العبيدية الرسميين وشيعتها الكتاميين بإفريقيا.
على أنَّ مصير هذه الفئات الشيعية الإفريقية كان رهنًا بحلول الظروف المناسبة؛ لأنَّ الشعب هناك كان سني الاعتقاد، لا يؤمن بنسب العبيديين الفاطميين ولا يقبل ترهاتهم التي ذرت قرونها بالمغرب ثم وجدت في مصر بعد انتقالهم إليها مرتعًا خصبًا، وقد كانوا لا تسنح لهم فرصة إلَّا اهتبلوها للقضاء عليهم وحسم مادتهم، ففي سنة ١٠١٧ م الموافق ٤٠٧ هـ ثار أهل القيروان بجماعة من الشيعة
(١) يقصد دخول قبائل العرب من بني هلال وبني سُلَيْم وأتباعهم لبلاد المغرب في القرن الخامس الهجري.