كانوا يسكنون درب المعلى منها فقتلوهم ونهبوا دورهم وأمتعتهم ثم امتدت الثورة عليهم إلى البلدان فقتلوا حيثما ثقفوا، وقتل أيضًا من لَمْ يعرف مذهبه بالشبهة لهم، ولم ينج من نقمة العامة حتى جماعاتهم التي خرجت بنسائها وأطفالها تريد الهجرة إلى صقلية وجهات أخرى أكثر أمنا.
وفي الوقت نفسه كانت ظروف أخرى تهيأ في الخفاء للقضاء على المذهب الشيعي في المغرب وإحداث القطيعة التامة بين بني عبيد المستخلفين بالقاهرة وبني باديس الصنهاجيين المتآمرين باسمهم بإفريقيا، وقد نجح في خلق تلك الظروف واحد من أروع الوزراء وأقوم الفقهاء هو الفقيه علي بن أبي الرجال معلم المعز بن باديس الصنهاجي الذي تولى الإمارة سنة ١٠١٦ م الموافق ٤٠٦ هـ وهو ابن ثمانية أعوام، فلم يزل هذا الفقيه يُقبِّح له المذهب الشيعي وينقص له قدر بني عبيد ويحبب إليه مذهب أهل السنة والجماعة ويزين له مذهب الإمام مالك بن أنس إلى أن اقتنع وأصبح يكره المذهب الشيعي ويمقت بني عبيد من غير أن يعلم الشيعة ولا أهل القيروان بذلك، حتى بدرت منه بادرة سنة ١٠٢٦ م الموافق ٤١٧ هـ انفضح بها معتقده وانكشفت سريرته، فقد خرج في بعض الأعياد إلى المصلي في زينته وحشوده، فكبا به فرسه، فذكر اسم الخليفتين أبي بكر وعمر متبركا، فسمعه الشيعة الذين كانوا في عسكره فمالوا إليه ليقتلوه ولكن عبيده ورجاله ومن كان يكتم المذهب السني من أهل القيروان أنقذوه ومالوا على الشيعة ميلة واحدة فوضعوا السيوف في أعناقهم وقتلوا منهم ثلاثة آلاف حتى سُمي الموضع الذي قتلوا فيه بركة الدم، ثم صاح فيهم صائح الموت فقتلوا بجهات كثيرة من إفريقيا، فأعلن النّاس حينئذ بالمعتقد الحق، ونادوا بشعار الإيمان، وحذفوا من أذان الصلاة جملة (حي على خير العمل) فأغضى الخليفة الظاهر وابنه المستنصر بعده عن ذلك، واعتذر المعز بالعامة فقبل عذره.
ومن أن الملوك الفاطميين كانوا لا يفتأون يخلعون على المعز بن باديس ألقاب الشرف والمجد كتلقيبه بشرف الدولة وعضدها تأليفا لقلبه، ويرسلون إليه الهدايا النفيسة وسجلات التشريف التي لَمْ ينلها أحد غيره فإن المعز كان يحذرهم ويخشى بطشهم، سيما بعد ما رأى كيف فعل أحد خلفائهم الظاهر لإعزاز دين