الله بأحد أمراء البربر حسن بن علي بن دواس الكتامي المُلقَّب بسيف الدولة وذي المجدين سنة ١٠٢٣ م الموافق ٤١٤ هـ، فقد أمر بإحضاره إلى القصر فدخله ولم يكن يدخله من قبل حذرا على نفسه، فأخرج من ساعته مقتولا، وأقام ثلاثة أيام ينادي عليه المنادي: هذا جزاء من غدر مواليه، ثم دفع إلى عبيده فدفنوه.
ويظهر أن المعز بن باديس الذي كان يتمتع بدهاء كبير وحيلة واسعة فكر في التآمر على الفاطميين للإطاحة بحكمهم وإراحة المغاربة وسائر المسلمين من جورهم ومخرقتهم، ورأى أن ذلك أجدى عليه من الثورة السافرة عليهم وأحرى أن يبلغه إلى مقاصده وغاياته، فأخذ يكاتب الوزير أحمد بن علي الجرجرائي وزير الظاهر العبيدي مستميلا ومعرضا بالتحزب معه عليهم، يفعل ذلك رمزا وتعريضا لعله يرى منه قبولا له فيجد معه في السعي عليهم، وكتب مُرّة إلى الجرجرائي بخطه قطعة تمثل فيها بقول القائل:
وفيك صاحبت قوما لا خلاق لهم … لولاك ما كنت أدري أنهم خلقوا
يشير إلى الفاطميين ويزعم أنه إنما أبقى عليهم بعض الإبقاء لأجل حبه فيه، فلما وقف عليها الجرجرائي قال: ألا تعجبون من هذا الأمير، صبي مغربي بربري يريد أن يخدع شيخًا بغداديا عربيا، واتهمه بأنه إنما يكاتبه ليوقع بين الخليفة ووزيره إن عثر على هذه الرموز.
وكان الجرجرائي هذا أحد رجال الدولة الفاطمية سياسة ودهاء وثقوب ذهن واستنارة بصيرة، وقد استوزره الظاهر الفاطمي ثم ابنه المستنصر، ومن عجيب أخباره أن الظاهر غضب عليه فأمر بقطع يديه لأمر استوجب القطع فقطعتا معا، فخرج من فوره وجلس بالديوان الخدمته على عادته وقال: إن أمير المؤمنين لَمْ يعزلني، وإنما عاقبني بجنايتي، فلما بلغ الظاهر ذلك استعظمه وشرف لديه، وأقره في عمله ثم رفعه إلى رتبة الوزارة بعدما كان في الدواوين، وكان كثير المصادرة الأموال الولاة وأمتعتهم وربما صرح لهم بقوله: أبيتم إلَّا الخيانة، فقال فيه محمد بن عبد الله الأنصاري الشاعر: