لما طال مكث طرود بباجة والسلوقية وتستور ونواحيها أكثر أهلها التشكي منهم وطلبوا من العمال إخراجهم من تلك البقاع التونسية.
وأفضت الولاية إلى الأمير أحمد بن محمد بن أبي أبكر فاستشار خواصه في أمرهم فاشاروا عليه بالتثقيل عليهم في المغرم لينفروا من غير مدافعة فاستصوب رأيهم وضيق عليهم ورصدهم بالعيون لئلا يقع منهم حادث.
وكانت له حروب طوع فيها الجريد والزاب وجميع بقاع إفريقيا، وفي حال رجوعه إلى تونس خشيت طرود بطشه، فتشاوروا واتفقوا على الرحيل إلى محلهم الذي كانوا به سابقا وهو عقلة الطرودي وما حولها، وما زالوا سائرين حتى نزلوا بقرب نفطة.
قال الشيخ العدواني: فدخلها (أي نفطة) رجلان منهم يسألان عن أخبارها وحالها، ثم أخبرا عن رخاء أسعارها وكثرة تمورها، فأعجبتهم (١) وأقاموا فيها سبعة أيام يبحثون عن سرها وعلانيتها، فقيل لهم: هذه بلاد ظلم فارحلوا أرض الله واسعة الفضاء واسكنوا حيث شئتم غيرها، ثم مرض الرجلان بالوخم فماتا ودفنا بالدحداح.
قيل: اللذان ماتا قبرهما بقرب أفركان وإلى الآن يعرف المسافرون موضعهما بجنب ربوة حمراء.
(١) انتقل المؤلف من ضمير التثنية العائد على الرجلين (يسألان، أخيرا) إلى ضمير الجمع (فأعجبتهم، وأقاموا … إلخ) يقصد بضمير الجمع هذا قوم طرود بما فيهم الرجلان إذ الإقامة مدة سبعة أيام بنفطة كانت لجميع طرود الذين سبقهم الرجلان إلى نفطة يسألان عن أخبارها.