الشهر الحرام وتراجع الناس عن عكاظ، خرج معاوية غازيًا في فرسان قومه من بني سُلَيْم، يريد هاشم بن حرملة في قومه من بني مُرَّة وفزارة - ومرةٌ وفزارة في ذبيان من بني غَطَفَان - فنهاه أخوه صخر، وقال له: كأني بك إن غزوتهم عَلِقَ بك حَسَكُ العرفط، فأبى معاوية أن يتراجع، وسار بقومه إلى حوزة، وقد قيلت في ذلك أشعار أهمها وأشهرها قصائد الخنساء في رثاء أخيها القتيل على ما سبقت إليه الإشارة (١).
و (حوزة) على ما في معجم البلدان لياقوت كأنه مصدر حاز يحوز حوزة واحدة: واد بالحجاز كانت عنده هذه الوقعة، وقد مر بنا أن البكري جعلها (حورة) بالراء.
[يوم ذات الأثل]
بعد يوم حوزة الثاني غزا صخر بن عمرو بن الشريد السُّلَمي، بني أسد بن خُزيمة من مُضَر، واكتسح إبلهم، فأتى الصريخ بني أسد، فركبوا حتى تلاحقوا بذات الأثل - في بلاد تيم الله بن ثعلبة، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، وطعن ربيعة بن ثور الأسدي صخرًا في جنبه، وفات القوم بالغنيمة، وجرى "دم" صخر من الطعنة، فمرض قريبًا من الحول، حتى مَلَّهُ أهله، فلما طال عليه البلاء، وقد نتأت قطعة من جنبه مثل اليد في موضع الطعنة، قالوا له: لو قَطَعْتَها لرجونا أن تَبْرَأَ، فقال: شأنكم، فقطعوها فمات، فرثته أخته الخنساء رثاءً حارًّا صادرًا من أعماق قلبها، كما رثت منْ قبله أخاها معاوية الذي قُتل قبله في حرب كان هو مُشعل نارها.
يوم عَدْنِيَّة
وهو يوم ملحان، وكان قبل يوم ذات الأثل، فيما قاله أبو عبيدة؛ وذلك أن صخرًا غزا بقومه وترك الحي خِلوًا، فأغارت عليهم غَطَفَان، فثارت إليهم غلمانهم ومن كان تخلف منهم، فقُتلَ من غطفان نفر وانهزم الباقون، فقال في ذلك صخر:
(١) العقد الفريد، لابن عبد ربه، الجزء الخامس، ص ١٦٣ و ١٦٤، طبع مطبعة لجنة التألف والترجمة والنشر بمصر، وكتاب أيام العرب في الجاهلية، تأليف محمد أحمد جاد المولى بك، وعلي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، ص ٢٨٣ - ٢٩٢، الطبعة الثانية بمصر.