للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحارث؟ قالوا: بثلاث، كنا نجتمع ولا نتفرق، ولا نبدأ أحدًا بظلم، ونصبر عند اللقاء (١).

وَصيَّة أوْدُ بن مذحج

ومن بطون مَذْحِج، أود بن مذحج، كان حكيمًا في زمانه، وسيدًا مطاعًا في قومه، عاش دهرًا وعَمَّر حتى ضعف بصره وكل سمعه، وقصرت خطاه، وأوصى بنيه فقال شعرًا:

أودٌ بنيَّ أبوكُمُ أوْدَى به … صَرْفُ الزَّمَان وَرَيْبُه فَتَأوَّدَا

والدَّهْرُ غشَّى ناظرَيْه فلا يَرى … بهما الضُّحَى إلا ظَلامًا أَسْوَدَا

ما إنْ يَعِي إلا إذَا قُرِعَتْ لَهُ … وإذا يَمِيْلُ على المُحَدِّث أصيَدَا

وكان من الكبر الذي علاه يكون شبه الساهي ما يحس بشيء إلا إذا قرعت له العصى كما قيل:

لِذِي الحِلْم قَبْل اليوم ما تُقْرَعُ العَصَى … وما عُلِّمَ الإنسانُ إلا ليَعْلَمَا

وذكروا أن أوْدًا (٢) أوصى بنيه فقال: يا بني، إن الناس لكم اثنان، صديق معين، وعدو مبين، فاعرفوا للعدو عداوته وللصديق صداقته، أما العدو فاخذلوه مخالفًا واقتلوه، ولا تأمنوه سلمًا، ولا تتركوه حربًا، وأما الصديق فأعينوه ظالمًا، وانصروه مظلومًا، ثم أنشأ يقول:

بَنِيَّ لقد دَعَوْتُكُمُ لنَهْجٍ … يَدُلُّ على البصيرة والرَّشَادِ

بَنِيَّ وَهَل أبٌ يَدْعُو بنيه … إلى غيرِ المكارم والسَّدَادِ؟

وهَل أحدٌ رأى من وِالديه … له غير المحبَّة والوِدَادِ؟

بَنِيَّ تَأمَّمُوا والناس شَتَّى … ذوو مِقَةٍ وحُسَّادٌ أعادي

فَأوفوا كيلهم بالصَّاعِ صَاعًا … ولا تبَقوا على حَضَرٍ وبَادِ

مِنَ الأعداء فالإبقا عليهم … يزيدهمُ التَّمادي (٣) في التَّمادي

بَنِيَّ هي الوَصِيَّةُ فاحفَظُوهَا … لكم في أرضِ والدِكُم مُرَادِ


(١) سيرة، ٢، ٥٩٤؛ الإكليل، ١، ١٨٩، هامش ٢.
(٢) وصايا، ٥، ٣٧، لكن وصايا، م، ١٠٥؛ الأصمعي، ١٤٢، قالا: مرادا.
(٣) في الأصل إلى؛ والتصحيح من وصايا، م، ١٠٦؛ الأصمعي، ١٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>