كان راشد بن راشد بن العليان كريمًا، وكان لا يملك إلا ثلاث من الإبل وهي خلفات (أضوار)(١) على (بكرة) واحدة، وكانت تلك الخلفات فيها قوت يومه وعياله، وكان يحلبها لأهله ولجماعته، وكان ابنه (علي) طفلا وكان يحب البكرة حبًّا شديدًا وكان قد وضع في رقبتها (قلادة) وهي عبارة عن خيط من الصوف، وذات يوم أقبل عليه ضيوف منهم (عويضة آل هلال) فقلَّطهم وقهواهم وذهب يسعى لهم بالعشاء، وقصد راعي غنم كثير؛ كان بالقرب منه وطلب منه ذبيحة، ولم يكن يملك في ذلك الوقت نقودًا، فرفض راعي الغنم أن يعطيه، فرجع غضبان حزينا، ولم يدر في خلده أن يترك ضيوفه دون عشاء، فعمد إلى تلك البكرة وهي تبرك بالقرب من أمهاتها الثلاث ورد رأسها وطعنها بالسكين ثم ذبحها، فأخذ ابنه علي يصيح حزنًا على بكرته الغالية عنده، ولا يعلم لماذا ذبحت؟ وعاتبه ضيوفه على فعلته وكانوا يفضلون أن يبيتوا بدون عشاء من أن يذبح تلك البكرة التي هى بمثابة العصب الشرياني لحياته هو وعائلته، إذ بغير تلك البكرة لن تدر الإبل الثلاث وسوف يحرمون من لبنها السنة كاملة، لأن اللبن هو قوت يومهم ولا غيره إلا التمر إن وجد.
[كرم ابن نديلة]
جمع العقيد راشد بن نديلة أكل بحيح بين الكرم والشجاعة، فقد كان كريمًا جوادًا، وكان غالبًا ما تكون ذبائحه من الإبل مع وجود الغنم، وله قصيدة في الكرم ولكن لا نعرف منها إلا هذين البيتين، ونرجو ممن يعرف تكملتها أن يوافينا بها مشكورًا.
(١) أضوار: الخلفات: هي جمع خلفه وهي الناقة الحلوب، أضوار: أي أنها أخذت حيرانها فور ولادتها ووضع بدلا منها (حورًا) من ناقة أخرى، يوهموها أنه ابنها، ولتكون أكثر من ناقة وأمّا لـ (حوار) واحد، والهدف من ذلك هو أن يستفيدوا من لبن اثنتين من الخلفات، حيث يحلبونها دون أن يكون للحوار نصيب منها مما يوفر كمية كبيرة من اللبن، بينما الحوار يرضع من الناقة الثالثة مناصفة بينهم وبينه.