للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتفرقة، تفصل بينها بقاع جرداء، تلتفت يمينا فلا ترى لها نهاية، وتنظر أمامك فلا ترى فيها أعلاما ولا ترى لها معالم، وتلتفت على يسارك فلا ترى إلا أطرافا تنخفض متدرجة من أعقاب سلاسل جبل اليمامة ذي الطابع الجيولوجي المتميز.

إن هذه الأعقاب سرعان ما تندمج تدريجيا في متون هذه الصحراء المترامية التي كما تقدمت مع الطريق امتد أمامك اتساعها، وبرز لك تحدبها وارتفاعها وثناء عنك امتداد ذلك العارض العتيد، وقلت كثافة السلم والسمر، وندرت خضرة أشجار الطلح، وأخذ بك الطريق في جرد من الصحراء، عبلاء الظهر قليلة النبات مطموسة المعالم، ويختفي عنك جبل اليمامة برعافة، ويبتعد بأعقابه وانحرافاته، ليس فيها أودية ولا تلال، جل نباتها الحرمل والهرم في قيعانها. وشجيرات سمر متفرقة تراها بين حين وآخر في خرومها، بعد أن يتقدم بك الطريق مسافة غير قصيرة تبدو لك أطراف جبال اليمامة من بعد، تراها على يسارك ولكنها سرعان ما تختفي عنك مرة أخرى.

وذلك التكوين الجبلي العجيب يتسع صوب الشرق تارة وينكمش تارة أخرى.

يتسع فتطول أوديته وتمتد أعقابه به في انحدارات تدريجية صوب الشرق، ينكمش رعانه وقرتد انحداراته وتلتف أطرافه، تلتف حول عموده الفقري ذي الأجزاء المتماسكة والتكوينات المتسقة.

[وادي حمام]

في هذه الصحراء الفسيحة وأنت تمير من السليِّل إلى ليلى - كبرى بلدان الأفلاج - يجور بك الطريق أودية قليلة ولكنها أودية عظيمة في سعتها وفي عمقها وطول امتدادها، إنها تنغض عن أعماق ذلك الجبل، ذلك الجبل الذي امتطى متن صحراء نجد، وانتصب عليه بسلاسله المتوازية وهضابه المتتالية ورعانه الشم المتناوحة، تنعض من أوساطه وتنحدر عن أعاليه منطلقة صوب الشرق، تمدها روافدها المتعددة بين حين وآخر لتشد سيرها وتتم مسيرتها مفترية ظهر هذه الصحاري الواسعة مندفعة إلى مسافات تفضي بها إلى أخرى، وكأنها في سباق قصدت به مرتفعاتها تذليل سهولها ووهادها حتى تصل إلى صحراء البياض،

<<  <  ج: ص:  >  >>