أحفظ ابن خلدون تملصهم من انتهاج سياسته والاندفاع وراءه فيما يندفع فيه من تحزبات وتقلبات ناجمة عن عواطفه وميوله الخاصة، فكتب عنهم ما كتب.
وقد كشف لنا الشيخ مبارك الهلالي الميلي الجزائري - رحمه الله - في كتابه:(تاريخ الجزائر في القديم والحاضر) السر الذي جعل ابن خلدون يحمل على عرب بني سُلَيْم وبني هلال في أقطار المغرب فيقول: (وكانت بطانة الحفصيين يستعملون نفوذهم مع رياح وغيرها في مصالحهم الخاصة وحسب أهوائهم، فربما دَعَوُا القبيلة اليوم إلى طاعة ملك وَدَعَوْهَا غدًا إلى حربه، وهذا عبد الرحمن بن خلدون كان مع الحفصيين، فدعا رياحًا - ورياح من بني هلال - لطاعتهم، ثم فارقهم، فدعاها لأبي حَقُوا الثاني سنة ٧٦٩ هـ، ثم حملها على حربه ومحالفة عدوه عبد العزيز بن أبي الحسن سنة ٧٧٢ هـ، ومع هذا التلاعب الذي لم يسلم منه فيلسوفنا نراه يؤنب العرب أن جرؤوا على الدولة)(١).
وهكذا أماط لنا اللثام مؤرخُ الجزائر في القرن العشرين، عن السر الكامن وراء تحامل ابن خلدون على عرب بني سُلَيْم وبني هلال في بلاد المغرب، وإذا ظهر السبب بطل العجب .. وربما نستطيع أن نضيف إلى هذا السر الخفي سرًّا أخفى منه وأعمق وأقدم ساكنًا بين ضلوع ابن خلدون، كتُراث يحمله عقله (الباطن) عن أسلافه القحطانيين، فقد شاهد بعينيه صعود نجم بني سُلَيْم وبني هلال العدنانيين في الوقت الذي كان فيه نجم القحطانيين آفلًا من المغرب، ولابد أن هذا العامل الأخفى أثره من دبيب النمل قد جرح أيضًا كبرياء ابن خلدون، وعمل عمله مع العامل السياسي الذي ذكرناه آنفًا.
[إزاحة شبهة علمية]
جاء في "مقدمة الكتاب" ما نصه: (وقد بحثتُ فيما لديَّ من المراجع، لعلي أعثر على كتاب، أُلِّفَ قديمًا أو حديثًا في تاريخ هذه القبيلة فلم أعثر على ذلك، اللهم إلا ما ورد من أن أبا لقاسم بن بشر الآمدي المتوفي سنة ٣٧٠ هـ ألف دواوين قبائل العرب، ومنها دويان شعراء بني سُلَيْم، وقد فقد هذا الديوان).
(١) تاريخ الجزائر في القديم والحاضر، لمبارك الميلي الجزائري، ص ٢٧٢، الجزء الثاني، طبع المطبعة الجزائرية الإسلامية بقسنطينة بالجزائر.