وبلد العُنَّاب من أفريقية، وهم جذميين: مرداس وعلَّاق، فأما مرداس فرئاستهم في بني جامع لهذا العهد، وأما علَّاق فكان رئيسهم الأول في دخولهم أفريقية رافع بن حماد، ومن أعقابه: بنو كعب (١) رؤساء سُلَيْم في عهد ابن خلدون بأفريقية.
والمستوطنون بأجدابية وجهاتها من سُلَيْم - على ما أفادنا به ابن خلدون - هم بنو هيب بن بُهثة إخوة بني عوت بن بهثة، وهم ما بين السدرة من برقة إلى العدوة الكبيرة ثم الصغيرة من حدود الإسكندرية، فأول ما يلي المغرب منهم بنو أحمد لهم أجدابية وجهاتها، وهم عدد يرهبهم الحاج ويرجعون إلى شماخ؛ وقبائل شماخ لها عدد وأسماء متمايزة، ولها العز في هيب لكونها جازت المُخصَّب من بلاد برقة، مثل المبرج وطلميثا ودرنا.
ويعزو ابنُ خلدون وَهنَ المغرب إلى أمور منها وفي مقدمتها: سلوك أعراب بني سُلَيْم وبني هلال في تلك البلاد، فهو متأثر منهم من هذه الناحية، يحاول جاهدًا أن يغرس في أذهان قُرَّائه رأيه هذا حيالهم بأنهم أصل كل ما حدث للمغرب من رزايا وانتكاسات.
وقد سبق لنا أن أشرنا إلى "العُقَد العْرقيةِ والنَّفْسَّية" التي ربما كانت تتحكم في توجيه آرائه حيال بني سُلَيْم وبني هلال، فلا حاجة لتكرارها هنا، وقد نسيَّ أو تناسى ابن خلدون في خضم حوادث اضطراب أمور المغرب أنه هو وأضرابه من كبار ساسته هم صانعو هذه القلاقل، وكان بنو سُلَيْم وبنو هلال أدوات يحركها هو وأضرابه من دهاقنة السياسة المغربية كما يشاؤون، تارة إلى اليمين وتارة إلى الشمال، مما جعل بني سُلَيْم وبني هلال آخر الأمر يفطنون إلى أنهم أصبحوا مجرد "لُعبٍ ودُمىً" بيد زعماء السياسة المحترفين المتناحرين المتقلبين ذات اليمين وذات الشمال وفي مقدمتهم عبد الرحمن بن خلدون، فنفضوا أيديهم منهم آخر الأمر، واتخذوا لهم سياسة شبه مستقلة، لا نقول: إنها حكيمة، فالإنسان ابن بيئته، وقد
(١) ومن الكعوب قمان أولاد أبو الليل، وأولاد أبو طالب وقد تحاربا وقُتل معظم الأخيرين، واستقل برياسة الأعراب من سُلَيْم في تونس أولاد أبي الليل حتى أوقعت بهم الدولة الحفصية في أواخر القرن الثامن الهجري فهاجروا إلى ليبيا ومنهم قبائل السعادي، وهاجر حلفاؤهم من حكيم من علَّاق إلى صحراء الجزائر.