للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما أعياهما التعب قالا: إذا كان الليل أصابه الإعياء وسقط واقتصر عن العدو فلما أصبحا وجدا أثره قد عثر بأصل شجرة فتبرأ (١) عليها وسقطت قوسه فانحطمت ووجدا قطعة منها أثرت في الأرض فقالا: ياله أخزاه الله ثم هما بالرجوع يأسا في اللحاق به، ثم قالا لعله كان من أول الليل ففتر فتبعاه فإذا أثر بوله، فقالا: ويل له قاتله الله ما رأينا أشد منه لا نتبعه أبدًا فانصرفا، أما هو فقد وصل إلى قومه وأنذرهم فصدقه قومه وكذبه آخرون فورد عليهم الجيش فنال منهم فقال يسخر من المكذبين:

يكذبني العمران عمرو بن جندب … وعمرو بن سعد والمكذب أكذب

فلم يلبث أن أقبل المغيرون فعلموا صدقه.

ولما كبر رغب بعض بني كنانة أن يريهم بعضًا مما بقي من عدوه فقال اجمعوا لي أربعين شابا وأتوا إلى بدرع ثقيل، ولما أحضرت لبسها وخرج الشباب فجروا في جنبيه جري البليد فما صحبوه إلا قليلًا أما هو فجاء يسرع والدرع تخفق في عنقه كأنها خرقة على الرغم من ثقلها.

[لصوصيته]

أما لصوصيته (٢) لم تكن إِلا مظهرا من مظاهر قوته وفتوته ولذا كان كثيرًا ما يقال: اللهم إني لو كنت ضعيفًا لما كنت عبدًا ولو كنت امرأة لكنت أمة، اللهم إني أعوذ بك من الخيبة فأمَّا الهيبة فلا هيبة. وقد نقل الرواة أنه أملق حتى لم يبق له شيء فخرج على رجليه رجاء أن يصيب غرة من بعض المارة فيذهب في إبلهم وكان في ليلة باردة من الليالي الشاتية المقمرة فاشتمل الصماء ونام، فبينما هو كذلك إذ جثم عليه رجل فقعد على جنبه وقال له استأثر فرفع السليك رأسه وقال: (الليل طويل وأنت مقمر) فذهبت مثلا وجعل الرجل يقول يا خبيث استأثر فلما آذاه أخرج السليك يده وضم الرجل ضمة أخرجت منه صوتًا ثم قال. السليك: من أنت قال: رجل افتقرت: فقلت: سوف أخرج ولا أعود إلى أهلي حتى أستغني فقال السليك: انطلق معي فانطلقا فوجدا رجلًا قصته مثل قصتهما


(١) انظر: بن تميم ومكانتهم في الأدب والتاريخ ص ٢٦٣.
(٢) المرجع السابق ص ٢٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>