وتَرَنُّمُ ابن عم الأمير - أمير بني كعب السُّلَميين، ببيت أبي الطيب المتنبي، وإن أخطأ فهم مراده كل الخطأ ففيه دليل ضمنيٌّ على بقاء صلة هؤلاء الأعراب المنعزلين بالفصاحة، وتعلقهم بالشعر العربي وحفظهم لدُرره وغُرره، وربما يعود عدم فهمه للمقصود من كلمة (الرَّبُّ) في بيت المتنبي، إلى الجهل الذي كان يسودهم حينئذ، لانعزالهم في مضاربهم النائية في برية قفراء بساحل البحر الأبيض المتوسط، ولربما لم يكن لديهم معلمون مُثَقَّفونَ يدلونهم على مقاصد الشعراء الذين يحفظون الكثير من أشعارهم، والمسألة موكولة إلى الفهم السليقي، وللسليقة حدود إذا تجاوزتها ارتطمت بصخور الغلط والزلل والالتواء عن النهج القويم، وانهِمَاكُهُمْ في لعبة الشطرنج يدلنا على وجود (فراغ) في أوقاتهم، كما يدلنا على تفضيلهم لهذه اللعبة التي تمثل ميادين الحروب والمعارك التي يهفون إليها منذ نزلوا أو أُنزلوا في أفريقية.
هذا، وقد أفادنا ابن خلدون بأن السُّلَميين الذين نزل عليهم القاضي أبو بكر بن العربي هم من بني كعب من علَّاق بن عوف بن بُهْثَة بن سُلَيْم بن منصور. وكانوا عند إجازتهم إلى إفريقية - على أثر الهلاليين - ما زالوا مقيمين ببرقة، وقد أكرمه شيخهم كما ذكر ابن العربي في رحلته (١).
[القصة السادسة]
حينما ضاقت الأمور بإبراهيم بن عبد الله الحسني، واشتد الطلب عليه من العباسيين دخل البصرة في عام ١٤٥ هـ، وهي سنة مقتله بعد ظهور أخيه محمد في المدينة، وقد استقبله يحيى بن زياد بن حيان النبطي وأنزله بداره في بني ليث، فدعا الناس إلى بيعة أخيه محمد بالخلافة، وقد حوله الدعاة له في البصرة إلى وسطها، فنزل دار أبي مروان مولى بني سُلَيْم في مقبرة بني يشكر ليكون على مقربة من الناس، وولاه سفيان بن معاوية أمير البصرة على أمره، وكتب إليه أخوه محمد يأمره بالظهور.
وهكذا جعل أبو مروان السُّلَمي بالولاء من داره بالبصرة ملجأ سياسيا لهذا الزعيم الهاشمي الذي لم يقدر له إصابة مرماه، المتمثل في تولية أخيه (محمد)
(١) تاريخ ابن خلدون، ص ١٤٤، الجزء السادس، طبع دار الكتاب اللبناني في بيروت.