للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إسلام زهران]

لما بعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ودعا الناس إلى الدخول في الإسلام، كانت قبائل زهران من السباقة إليه، فأسلمت وحسن إسلامها.

وتروي لنا الكتب التاريخية قصة طويلة توضح دعوة زهران إلى الإسلام، ودخولها فيه. وتتلخص القصة في أن الطفيل بن عمرو الدوسي قدم مكة المكرمة، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بها فمشى إليه رجال قريش وقالوا له (١): "يا طفيل إنك قدمت بلادنا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل (٢) بنا وقد فرق جماعتنا، وشتت أمرنا، وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين الرجل وبين زوجته، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمه، ولا تسمعن منه شيئًا".

وما زالوا به حتى صمم على أن لا يسمع منه شيئًا ولا يكلمه، وحشى أذنيه بالقطن، حتى لا يبلغه شيء من قول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. ولما دخل المسجد (أي الطفيل) رأى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قائمًا يصلى بجوار الكعبة فجلس قريبًا منه، فسمع كلامًا حسنًا ألان قلبه، وملك عليه جوارحه ومكث في المسجد حتى انصرف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى داره، فتبعه ودخل عليه وقال له: "يا محمد إن قومك قد قالوا لى كذا وكذا، ثم أبى اللَّه إلا أن يسمعني قولك، فسمعته قولًا حسنًا، فأعرض علي أمرك". فعرض عليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الإسلام، وتلا عليه ما تيسر من القرآن فأسلم الطفيل وشهد شهادة الحق، وقال: "يا نبي اللَّه إني امرؤ مطاع في قومي، وأنا راجع إليهم فداعيهم إلى الإسلام، فادع اللَّه أن يجعل لي آية، تكون لي عونًا عليهم فيما أدعوهم إليه" فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللهم اجعل له آية" فسطع نور بين عينيه، فقال: "يا رب أخاف أن يقولوا مثلة" فتحول النور إلى رأس سوطه، فكان يضيء له في الليلة المظلمة، فأطلق عليه لقب ذي النور.

ولما علمت قريش بإسلامه هددوه فخاطبهم قائلًا:

ألا أبلغ لديك بني لؤي … على الشنآن والعضب المرد


(١) ابن هشام - المصدر السابق - ج ١ - ص ٤٠٧.
(٢) أعضل - اشتد.

<<  <  ج: ص:  >  >>