للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[جرأة دعبل]

ومن الأدلة القاطعة على جرأة دعبل في حياته التي عاشها أنه قال: "لي خمسون سنة أحمل خشبتي على كتفي، أدور على مَنْ يصلني عليها فما أجد مَن يفعل ذلك".

ولم يزل مرهوب اللسان، خائفًا من هجائه للخلفاء، وبقي دهرَه كلَّه متوارٍ هاربًا.

ودخل إبراهيم المهدي إلى مجلس المأمون مرة فشكى إليه حاله من هجاء دعبل الذي قال فيه:

نَعَرَ ابنُ شكَلة بَالْعِرَاقِ وَأَهْلِهِ … فَهَفَا إليهِ كلُّ أطلَسَ مَائق

فقال المأمون: لك أَسوة بي فقد هجاني واحتملته وقال فيَّ:

أيَسومُني المأمونِ خُطةَ جَاهلٍ … أَو مَا رأى بالأَمْسِ رأس مُحَمَّدِ

إنِّي منَ الْقَومِ الذين سُيوفُهم … قَتَلَتْ أَخَاكَ وشَرَّفَتْكَ بمَقعَدِ

شَادُوا بذكرِك بَعدَ طولِ خُمُولِهِ … واستنقَذُوكَ من الحَضِيضَ الأوهَدِ

وكان بين دعبل ومسلم بن الوليد الأنصاري اتحاد كثير، وعليه تخرَّج دعبل في الشعر، فاتفق أن وليّ مسلم جهةَ في بعض بلادِ خُراصان هي جرجان، فقصده دعبل لما يعلمه من الصحبة التي بينهما، فلم يلتفت إليه مسلم، ففارقه، وقال فيه:

غَشَشْتَ الهَوَى حتَّى تَدَاعَت أُصُولُهُ … بنَا وابتَذَلتَ الوصْلَ حتى تَقَطَّعا

وأنْزَلْتَ من بين الجوانحِ والحَشَا … ذَخيرةَ وُدٍّ طالما قد تمنّعَا

فَلا تَعْذلَنِّي ليسَ لي فيك مَطمَعُ … تَخَرَّقت حتى لم أجد لك مرقَعَا

وهبك يميني استأكلَتْ فَقَطعْتُها … وصَبَّرْتُ قلبي بعدها فتشجعا (١)

[الهجاء في شعر دعبل]

كانت رؤية الشاعر للهجاء نابعة من تجربته، إذ سئل يومًا: من قبل أبي خالد الخزاعي: ويحك يا دعبل قد هجوت الخلفاء والوزراء والقواد، ووترت


(١) وفيات الأعيان/ ٢٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>