للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحسن بن الحسن الكلبي يؤسس دولته في صقلية]

يقول ابن خلدون عن الحسن:

وكان من صنعائهم ووجوه قواده (أي قواد المنصور)، وكنيته أبو الغنائم، وكان له في الدولة محل كبير، وفي مدافعة أبي يزيد غناء عظيم، وكان سبب ولايته، أن أهل بليرم كانوا قد استضعفوا عطافًا واستضعفهم العدو لعجزه، فوثب به أهل المدينة يوم الفطر من سنة خمس وثلاثين، وتولى كبر ذلك بنو الطير منهم، ونجا عطاف إلى الحصن، وبعث للمنصور يعلمه ويستمده، فولى الحسن بن علي على صقلية وركب البحر إلى مأزر، وأرسى بها فلم يلقه أحد منهم، وأتاه في الليل جماعة من كُتامة، واعتذروا إليه عن الناس بالخوف من بني الطير، وبعث بنو الطير عيونهم عليه، واستضعفوه وواعدوه أن يعودوا إليه فسبق ميعادهم، ودخل المدينة، ولقيه حاكم البلد وأصحاب الدواوين، واضطر بنو الطير إلى لقائه، وخرج إليهم كبيرهم إسماعيل، ولحق به من انحرف عن بني الطير فكثر جمعه، ودس إسماعيل بعض غلمانه فاستغاث بالحسن من بعض عبيده أنه أكره امرأته على الفاحشة، يعتقد أن الحسن لا يعاقب مملوكهـ فتخشن قلوب أهل البلد عليه، وفطن الحسن لذلك فدعا الرجل واستحلفه على دعواه، وقتل عبده فسرّ النّاس بذلك، ومالوا عن الطيري وأصحابه، وافترق جمعهم، وضبط الحسن أمره، وخشي الروم بادرته فدفعوا إليه جزية ثلاث سنين، وبعث ملك الروم بطريقًا في البحر في عسكر كبير إلى صقلية، واجتمع هو والسردغربس واستمد الحسن بن علي المنصور فأمده بسبعة آلاف فارس وثلاثة آلاف وخمسمائة راجل، وجمع الحسن من كان عنده وسار برًا وبحرًا، وبعث السرايا في أرض قلورية، ونزل على أبراجه فحاصرها وزحف على الروم ففروا من غير حرب، ونزل الحسن على قلعة قيشان فحاصرها شهرًا وصالحهم على مال ورجع بالأسطول إلى مسيني فشتى بها. وجاء أمر المنصور بالرجوع إلى قلورية فعبر إلى خراجة فلقي الروم والسردغربس فهزمهم، وامتلأ من غنائمهم، وذلك يوم عرفة سنة أربعين وثلاثمائة بعد الهجرة.

ثم ثار إلى خراجه فحاصرها حتى هادنه ملك الروم قسطنطين. ثم عاد إلى ربو وبنى بها مسجدًا وسط المدينة، وشرط على الروم أن لا يعرضوا له، وأن من

<<  <  ج: ص:  >  >>