فقد الشيخ شقيقه وسيفه الذي ترهب سطوته الفرسان القاصي منهم والداني، وعاد إلى مضاربه وحيدًا، ولكنه ظل مشغول البال بمعرفة قاتل أخيه، وبعد البحث تبين من عناصر القافلة (١) أن القاتل هو أحد أفراد عشيرة الهروف من قبيلة بلي. وكان مقتل محمد محض صدفة وغير مقصود لأن الشيخ وشقيقه لم يكونا غزاة وإنما تبادلا إطلاق النار مع القفل من سبيل الدفاع عن النفس، وبالرغم من كل هذا فقد تصافت نفوس قبيلتي بلي وبنو عطية، وأصبحوا في هذا العهد أخوة متحابين وأصبحت تلك الأحداث شيئًا من الماضي وأمانة للتاريخ.
[ترسيخ الدولة السعودية في منطقة تبوك والصعوبات التي اعترضتها]
منذ أن عيَّن الملك عبد العزيز محمد بن شهيل أميرًا على تبوك عام ١٣٤٤ هـ بدأت سلطة الدولة، وانتقل حل المنازعات من سلطة القبيلة إلى سلطة الدولة. إلا أن الوضع تطلب مزيدًا من الوقت للتخلص من رواسب الماضي الاجتماعية التي كانت سائدة بين القبائل، حيث سلطة القبيلة هي المهيمنة. وكان من الطبيعي أن تقع بعض الأحداث بين الشيخ كريم الذي يمثل الزعامة القبلية وبعض المسئولين الذين يمثلون السلطة ويجهلون اعتماد أفراد القبيلة على شيخهم باعتباره الملاذ المباشر الذي يلجأون إليه لحل مشاكلهم. ومن منطلق قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" فقد اضطر الشيخ إلى التصادم مع مسئولي الدولة لرفع الضيم عن أفراد القبيلة وفاء بالمسئولية تجاه الله أولًا ثم تجاه والي المسلمين الملك عبد العزيز.
وقد حاول صغار موظفي الدولة في تبوك استغلال ذلك بنقل الصورة مغلوطة إلى جلالة الملك عبد العزيز وقتئذ بغرض إضعاف مركز الشيخ كريم وإخضاعه ومنعه من الوقوف ضد رغباتهم الشخصية. إلا أن الملك عبد العزيز وقف سدًا منيعًا أمام هذه المحاولات وأبقى الشيخ على منزلته. وكلما لجأ الشيخ إليه مستجيرًا ومستنجدًا وجد منه العون والإكرام لما يتمتع به جلالته من بعد نظر في معاجلة أمور رعيته. ونعم الشيخ وأمثاله من أمراء القبائل بالحلم والرحمة من جلالته، وما ذلك بغريب