للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سبب رحيله إلى خراسان]

قص أبو عبيدة أنه لما ولى معاوية قريبه سعيد بن عثمان بن عفان خراسان، سار فيمن معه فأخذ طريق فارس فلقيه مالك، فلما رآه سعيد أعجبه، وقال أبو الحسن المدائني: لما لقيه سعيد في نفر من أصحابه قال له: ويحك يا مالك ما الذي يدعوك إلى ما بلغني عنك من العداء وقطع الطريق قال: أصلح الله الأمير، العجز عن مكافأة الإخوان، قال: فإن أغنيتك واستصحبتك أتكف عما تفعل؟

قال: نعم أصلح الله الأمير، فاستصحبه وأجرى له ٥٠٠ دينار كل شهر وظل معه حتى قتل بخرَاسان، وعندي (١) أن سعيدا لم يصحبه إلى خراسان ولم يغدق عليه هذه النعمة إلا اتقاء لشره الذي نال به من شاء من المروانيين لا لأنه من قطاع الطرق فحسب وآية ذلك ما ذكره ابن قتيبة (٢) في هجاء الحجاج بن يوسف الثقفي من قواد الأمويين:

فإن تنصفونا يآل مروان نقترب … إليكم وإلا فأذنوا ببعاد

فإن لنا عنكم مراحا ونزحة … بعيس إلى ريح الفلاة صوادي

فماذا عسى الحجاج يبلغ جهده … إذا نحن جاوزنا حفير زياد

فلولا بنو مروان كان ابن يوسف … كما كان عبدا من عبيد إياد

زمان هو العبد المقر بذله … يراوح صبيان القرى ويغادي

ولا تظن أن تلك النعم التي أغدقها سعيد على مالك في خراسان كانت مانعته من الاستمتاع بحريته فلم يلبث في خراسان إلا قليلا حتى رأى من الوالي ما يكره، فاستعد للوثبة وآية ذلك ما سجله الطبري أن سعيدا قطع النهر يوما إلى (سمرقند) فخرج إليه أهل الصغد فتواقفوا إلى الليل، ثم انصرفوا من غير قتال فقال مالك:

ما زلت (يوم الصمُد) ترعد بارقا … من الجبن حتى خفت أن يتنصرا

وما كان في عثمان شيء علمته … سوى نسله في رهطه حين أدبرا

ولولا بنو حرب لظلت دماؤكم … بطون العظايا من كسير وأعورا


(١) الكلام هنا للمزروعي مؤلف كتاب بني تميم ومكانتهم في الأدب والتاريخ.
(٢) الشعر الشعراء لابن قتيبة ص ١٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>