وقد توسعوا في إطلاق لفظ "عسير" على بلاد ليس فيها عسيري واحد كما سنوضحه فى محله من هذا الكتاب، ولكن الذي يعنينا الآن هو أن هذه البقعة الجبلية كانت تقتطنها بطون من التهبائل اليمانية -وعلى رأي بعضهم: يمانية فتنزرت- من أسلم الأزد، أطلق عليها اسمها فعرفت بهم ودعيت:"بلاد عسير". وكذلك تعرف قرى كثيرة بأسماء ساكنيها مثل "زور آل الحارث" و"حلّة آل همام" وغير ذلك مما هو مشهور في بلاد عسير واليمن. ثم لما قويت شوكة القبيلة وامتدت سيطرتها إلى بلاد القبائل المجاورة لها غطى إسمها على اسم تلك القبائل وأصبحت تعرف باسمها، فلما جاءت الحكومات المدنية وجدت قبيلة "عسير" أشد قبائل تلك المنطقة مراسًا وأعظمها هيبة ونفوذًا وأكثرها عددًا وعدة، فأطلقت عليها وعلى البلاد الموالية لها اسم "عسير" وجعلتها الحكومة العثمانية متصرفية كما مر (١). وسنحاول أن نرسم في النبذة التالية صورة صحيحة عن حدود البلاد التي تسكنها قبيلة "عسير" والبلاد التي تتبعها، أو التي ضمت إليها.
[حدود "عسير"]
ذكرت في فصل مضى من القسم الأول كيف حدد لي الأعراب وادي "بيشة" بأنه يمتد من الشغف إلى البعف. والظاهر أن أهل هذه البلاد مولعون بالاصطلاحات المقتضبة التي تغني عن التعريفات المفصلة، لأني حينما سألت بعض كبار "عسير" عن حدود بلادهم أفادني بتعريف جامع مانع في عرفهم كتعريف أهل "بيشة" لواديهم. قال:
"حدود عسير: من زهران إلى ظهران". تعريف يعجز أكبر علماء الجغرافيا عن حل طلاسمه ورموزه، علاوة على أنه تعريف مبالغ فيه يفيد في الواقع مدى سلطات قبيلة "عسير" في وقت من الأوقات أكثر ما يفيد حدود بلاد القبيلة، فزهران بلاد قبيلة عظيمة تقع بين بلاد الطائف وبلاد غامد، وتبعد عن "أبها" مركز عسير ١٢ مرحلة للمشاة أو تزيد. و"ظهران" مركز "وادعة" من "همدان بن زيد" إلى الجنوب من عسير وقحطان، بين بلاد قحطان وبلاد "صعدة" في اليمن. وتبعد