قومه حينًا من الدهر، تحركت فيه دواعي الانتقام مُرّة أخرى، وأراد أن يجر قبيلته إلى الغارة على قبيلة آمنه ويعرض كلا الفريقين لسفك الدماء والسبي عند أتفه الأسباب، أما كان عليه أن يقتنع بما أخذه من أخواله ويحاول الإصلاح ما استطاع فذلك خير، أم أن تلك الأمم طبعت على هذه القسوة الوحشية فلا ترد دواعيها مهما ضعفت. وقد أحسنت مُزَيْنَة حينما لَمْ توافقه على ما أراد، ولو كنت معهم لسفهت رأي هذا الشاعر الجاهلي، اللهم إلَّا أن تكون لي عقلية غير عقليتي هذه. وهذا من محاسن هذه القبيلة، فهي لا تبدأ أحدًا بالاعتداء حتى هو يبدأها، وهي خاصية طبعت عليها وعرفت بها في الجاهلية وفي الإسلام، وفي عصرنا الحاضر. فمن المعروف الآن أن المزني لا يبدأ الاعتداء أبدًا وهذا مشاهد ومُجَّرب، وغالبًا ما يكون النصر حليف المعتدي عليه، فالاعتداء ظلم والظالم لا يُنصر.
ثم أقبل أبو سلمى من قومه حتى حلَّ في أخواله من بني مُرّة، فلم يزل في بني مُرّة من غَطَفان عند خاله بشامة بن الغدير، وكان شاعرًا، جمع إلى الشعر والحكمة جودة الرأي، وكانت غَطَفان إذا أرادوا الغزو وأتوه فاستشاروه وصدروا عن رأيه. فإذا رجعوا من الحرب قسموا له مثل ما يقسمون لأفضلهم وكان رجلًا مقعدًا ولا ولد له فلذا كثر ماله (١).
وكان بشامة بن الغدير خالًا لربيعَةَ بن رياح كما قدمنا فزوجه أخته ابنة الغدير، والغدير هذا من بني سهم بن مُرّة بن عوف، فولدت له زهيرًا وأوسًا.
زهير بن أبي سُلمى الشاعر الحكيم
ومن مُزَيْنَة: زهير بن ربيعة بن رياح بن أبي سلمى المزني. تزوج زهير هذا من امرأة من بني سحيم، وكان يذكر في شعره دائما فعال بني مُرّة وغَطَفَان وكان سيدًا في الجاهلية، كثير المال حليمًا، وكان يعرف بالورع، لا يحب الظلم ويخاف من عاقبته، أرأيت أنه لما هجا أهل بيت من كلب من بني عُليم بن جناب، وكان بلغه عنهم شيء كرهه، وكان قد نزل عندهم رجل مولع بالقمار من بني عبد الله بن غَطَفان، فنهوه عن المقامرة فأبى أن ينتهي، فقامروه الأولى والثانية والثالثة،
(١) شرح شعر زهير لأبي العباس ثعلب تحقيق الدكتور فخر الدين قباوة.