غير أن الناصر رغم هزيمته الشنعاء لم يستسلم للهزيمة طويلًا، ففي عام (٤٦٠ هـ ١٠٦٧ م) أعاد الكرة مستعينًا ببني الأثبج الهلالية وحاصر مدينة الأربس وما زال على حصارها حتى تمكن من الاستيلاء عليها وقتل عاملها ابن مكراز، ثم زحف بجيشه على القيروان فدخلها منتصرًا وأقام بها بعض الوقت ثم قفل راجعًا إلى القلعة متقيًا شر هجمات وغارات العرب الهلالية والسُّلَمية المعارضين له في بلاد تونس؛ وتوغلت جيوش الناصر بعد أن تغلبت على معظم خصومه صوب الجنوب الجزائري ففتحت إقليم الزاب وعاصمته بسكرة، وواصلت زحفها حتى بلغت واحة ورقلة عند مشارف الصحراء الكبرى وذلك بعد أن اجتاحت وادي إيغاغار ووادي قيزاب في غرب ورقلة؛ ولقد جعلت هذه الانتصارات الباهرة من الناصر بن علناس حاكمًا من أقوى حكام بلاد المغرب وقتئذ، وأراد أن يزيد في رخاء رعاياه بتنمية التجارة وتوطيد دعائم الاقتصاد في بلاده فحاول ما وسعت جهوده من طاقة أن يجذب التجار الإيطاليين إلى ميناء بجاية التي كان قد شيدها قبل ذلك وبنى فيها قصر اللؤلؤ، وعمل جاهدًا على إقامة علاقات ودية مع مدن إيطاليا الساحلية لهذا الغرض، كما عمل على تقوية هذه العلاقات مع البابا جريجور السابع في روما بواسطة القس سرفندس الذي صار فيما بعد أسقف عنابة (١)(بؤنة القديمة) وتوفي الناصر عام ٤٨١ هـ تاركًا الحكم لولده المنصور.
[المنصور بن الناصر ودور الهلالية معه]
فكَّر المنصور بن الناصر بن علناس الحمادي منذ أن قبض على زمام الحكم في نقل عاصمته نهائيًّا من القلعة إلى ميناء بجاية؛ لأن حلفاء أبيه من بني الأثبج الهلالية الذين صاروا حلفاءه أيضًا أصبحوا عبئًا ثقيلًا على الدولة ولا سيما بعد أن تجمعت حشود غفيرة منهم في أرجاء القلعة وحولها، ومن هنا بدأت مخاوف المنصور تزداد إذ قد يحاول هؤلاء العرب بانضمام بعض القبائل العربية الأخرى إليهم تهديد القلعة بغزواتهم المفاجئة تهديدًا خطيرًا قد يُقوِّض أركان ملكه فينهار تحت وطأة هذه الغزوات، وفي عام ٤٨٣ هـ - ١٠٩٠ م انتقل نهائيًّا إلى ميناء بجاية ولكنه لم يتخل كلية عن القلعة ومن ثم صارت لدولة بني حماد في عهده
(١) عنابة: مدينة ساحلية في شرق الجزائر اسمها القديم بونة، ثم سماها العرب عنابة لكثرة أشجار العناب حولها.