ك ان نَصْرٌ من أجمل العرب، وهو تابعي، وأبوه "حجَّاج" السُّلَمي من الصحابة، وقد مرت بنا ترجمته في فصل:(صحابة من بني سُلَيْم). ونصر من شعراء سُلَيْم.
وقد أورد لنا الرواة قصة افتتان بعض نساء العرب في المدينة بجماله الباهر، وحينما ثبت لدى عمر بن الخطاب - وهو خليفة - تشبيب امرأة به في أبيات شعر أنشدتها ليلًا، فسمعها أثناء عَسِّه وتجواله في سِكَكِ المدينة - غَرَبَ نصرًا عن المدينة اتقاء الفتنة به في بلد الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ومجمل القصة أن "الذلفاء"(١) هَوِيَتْ نصرًا ودعته إلى نفسها، فزجرها ولم يوافقها، وبينما عمر يعس في بعض سِكَكِ المدينة ليلًا إذ سمع نشيد شعر من دار فوقف يتسمَّع فإذا الذلفاء تقول:
يا ليت شعري عن نفسي أزاهقة … مني ولم أقض ما فيها من الحاج؟!
ألا سبيلٌ إلى خمر فأشربها؟ … أم لا سبيل إلى نصر بن حجَّاج؟!
فأمر عمر، فأُخرجت من منزلها وحَبَسَها، وحينما علمت بالسبب أنِفَتْ على نفسها أن يعاقبها أمير المؤمنين بما سمع منها، فكتبت إليه شعرًا تقول فيه:
قل للإمام الذي تُخشى بوادره .. ما لي وللخمر أو نَصْر بن حجَّاجِ؟
لا تجعل الظن حقًّا أو تيقنه … إن السبيل سبيل الخائف الراجي
إن الهوى زَمَّهُ التقوى فَخَيَّسَهُ … حتى أقر بإلجامٍ وَإِسْرَاجِ
فبعث إليها عمر وأطلق سراحها وقال لها: لَمْ يبلغنا عنك إلَّا خير، ومن يومئذ لقبت "الذلفاء""بالمتمنية"، وسار لقبها هذا في الآفاق، وشرَّق وغرَّب، حتى وصل إلى العراق، وعرفته نساؤه وتداولته، وضربت بها الأمثال.
(١) جزم ابن حزم في جمهرة أنساب العرب"، بأن المرأة التي قالت هذا الشعر هي "فريعة" أم الحجاج بن يوسف الثقفي أمير العراق، وكانت زوجة للمغيرة بن شعبة، وقدم الدليل على رأيه في الصفحة ٢٦٣.