للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٥) يوم فيْف الريح (*)

كانت بنو عامر بن صعصعة تطلُب بني الحارث بن كعب بأوتار كثيرة، فجمع لهم الحصين الحارثي - وكان يغزو بمن تَبِعَهُ من قبائل مَذْحج - وأقبل في بني الحارث، وجُعْفيِّ، وزُبَيد، وقبائل سعد العشيرة، ومراد، وصُداء، ونَهْد، واستعانوا بقبائل خَثْعم (١)؛ فخرجت معهم شَهْران وناهِس وأكْلُب وعليهم أنسُ الخثعمي، وأقبلوا يريدون بني عامر بن صعصعة وهم منتجعون مكانًا يقال له "فَيْفَ الرِّيح"، ومع مَذْحِج النساء والذَّراري، حتى لا يفرُّوا؛ إما ظفروا وإما ماتُوا جميعًا.

فاجتمعت بنو عامر كلها إلى عامر (٢) بن الطفيل الكلابي، فقال لهم عامر - حين بلغه مجيء القوم: أَغيروا بنا عليهم، فإني أرجو أن نأخذ غنائمهم، ولا تَدَعوهم يدخلون عليكم داركم.

فتابعوه على ذلك، وقد جعلتْ مَذْحِجُ ولِفُّها (٣) رُقَباء، فلما دَنتْ بنو عامر من القوم صاح رُقَباؤُهم: أتاكم الجيشُ؛ فلم يكن بأسرع من أنْ جاءتهم مَسَالحهُم (٤) تَركض إليهم؛ فخرجوا إليهم؛ فقال أنس الخثعمي لقومه (٥): انصرفوا بنا، ودَعُوا هؤلاء، فإنهم إنما يَطلب بعضهم بعضًا، ولا أظن عامرًا تريدنا؛ فقال لهم الحصين الحارثي: افعلوا ما شئتم، فإنا والله ما نُرادُ دونكم، وما نحن لشر بلاءً عند القوم، فانصرفوا إن شئتم، فإنَّا نرجوا ألا نعجز عن بني عامرٍ، فرُبَّ يوم لنا ولهم قد غابت سُعُوده، وظهرت نحوسهُ.

فقالت خَثْعم لأنسٍ: إنَّا كنَّا وبنو الحارث على مياه واحدة وفي مراع واحدة، وهم لناس سِلْمٌ وهذا عدوٌّ لنا ولهم، أفتريد أن ننصرف عنهم! فوالله لَئِن سلموا


(*) فيف الريح: موضع بأعلى نجد.
(١) بنو الحارث وسعد العشيرة وجعفي وزبيد في مَذْحِج، ومراد بطن في كهلان. وصداء ونهد بطنان في قُضاعة وخثعم بطن في كهلان، وأصلهم من أنمار بن نزار بن معد بن عدنان.
(٢) كان عامر بن الطفيل فارس قيس عيلان كلها، وكان شاعرًا جيد الشعر.
(٣) لف القوم: من كان فيهم من الحلفاء وغيرهم.
(٤) المسالح: جمع مسلحة، وهم القوم ذو السلاح.
(٥) أي قبائل خثعم.

<<  <  ج: ص:  >  >>