للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[رأي بني تميم عندما بلغهم نبأ الرسالة المحمدية]

فهذا أكثم بن (١) صيفي بن رباح بن الحارث بن مخشن بن معاوية بن شريف اليمن عمرو بن تميم حكيم العرب وتغني شهرته عن نسبه فقد كان من حكام العرب وحكمائها وخطبائها ويزيد قومه فخرا أنه لم يكن يعلم ببعثة الرسول حتى راسله ولما لم تسعفه القوة البدنية ليذهب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك لتقدمه في العمر قال لقومه: احملوني إليه، فقالوا كلا والله وأنت سن من سنان العرب، فقال لهم: يأتي أحدكم فليسأله عن ربه وعما أمر به فأسرع حبيش بن أكثم فتشرف بلقاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وسأله، بعثك ربك؟، فقال الرسول: بعثني بأن أكسر الأصنام والأوثان، فسأله مرة ثانية، أمرك؟ فقرأ قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٩٠)} [النحل].

فانصرف حبيش إلى أبيه وأخبره بما سمع وتلا عليه الآية الكريمة فجعل أكثم (٢) يرددها ويقول: إن هذا الرب كريم يأمرنا بمحاسن الأخلاق وينهانا عن مساوئها، ثم جمع بني تميم وقام خطيبا وعمره آنذاك فوق المائة وكان مما قال في بداية كلامه وبعد افتتاحه الخطبة: إن ابني هذا قد شاهد الرجل الذي ظهر في مكة، وشافهه وهو يأمر بمحاسن الأخلاق ويدعو إلى توحيد الله عز وجل وخلع الأوثان، وقد عرف ذوو الرأي منكم أن الفضل فيما يدعو إليه وأن أحق الناس بمعاونته لأنتم، فإن كان الذي يدعو إليه حقًّا فهو لكم، وإن كان باطلا كنتم أحق من كتم وستر، وقد سمعت أسقف نجران يذكره ويرجوأن يكون له فسمى ابنه محمدًا، فكونوا أولًا في أمره ولا تكونوا آخرا، وأتوه طائعين قبل أن تأتوه كارهين. والله إن هذا الذي يدعو إليه لو لم يكن دينًا لكان في أخلاق العرب حسنًا. فأطيعوا أمري فمن سبق فاز من تأخر ندم. وقال بعضهم: لقد خوف شيخكم فلا تتعرضوا للبلاء. فقال أكثم: (ويل للشجي من الخلي) لهفي على أمر لم أدركه ولم يسبقني.


(١) انظر: بني تميم ومكانتهم في الأدب والتاريخ ص ١٩٤.
(٢) المصدر السابق ص ١٩٥ - ١٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>