للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحدة إحساس، والشعراء يسجلون بأعصابهم المرهفة في قلوبهم كل ما يصادفهم من حواده فيصيبهم الضمور والانكماش الجسمي عادة ولكن هلالا كان شاذا بين الشعراء شذوذه بين الأقوياء. ومن أراد الاطلاع على شعره فليرجع إلى الأصفهاني في أغانيه فقد ذكر من أبياته ٥٥ بيتا ومنها بعدما قتل رجلا من بني جلان من ربيعة كان جار لمعاذ بن حيدة من رزام المازني التميمي فطالبوه بالقصاص ولم يفده تضرعه إياهم ففر منهم إلى اليمن وقال ينصحهم:

بني مازن لا تطردوني فإنني … أخوكم وإن جرت جرائرها يدي

ولا تثلجوا أكباد بكر بن وائل … بترك أخيكم كالخليع المطرد

وإن القريب حيث كان قريبكم … وكيف بقطع الكف من ساعد اليد!

[٩ - مالك بن الريب]

كان جبارا في قوته وفتكه ولا شك أن هذه الشجاعة التي اشتهر بها، والتي شاركه فيها هلال بن الأسعر المازني إنما تسربت إليهما من أجدادهما بني مازن بن مالك، فقد كانوا ذوي قوة خارقة يتحدث بها الناس وتسير بذكرها الركبان وتتكرر على ألسنة الشعراء.

وهذا مما دعا قريط بن أنيف الجاهلي أن يتمنى لو أنه من مازن الذين استردوا إبله. وإليك قوله مشيرا إلى بني شيبان الذين نهبوا ثلاثين بعيرا له فلم ينجده قومه بل أنجده مازن تميم:

لو كنت من مازن لم تستبح إبلي … بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا

إذا لقام بنصري معشر خشُن … عند الحفيظة إن ذو لُوثه لانا

قوم إذا الموت أبدى ناجذيه لهم … طاروا إليه زرافات ووحدانا

لا يسألون أخاهم حين يندبهم … في النائبات على ما قال برهانا (١)

وقد مرر البغدادي (٢) أن مالك بن الريب من أجمل العرب جمالا وأبينهم بيانا.


(١) ديوان الحماسة ج ١ ص ٣٠.
(٢) خزانة الأدب ج ٢: ٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>