رأف بحال كيلاني ورقَّ له قلبه وأعجب بجسارته وطموحه أن يغزو دولة وهو مجرد شيخ قبيلة، وأراد الخديوي أن يجعله أسير فضله، فعفا عنه وأقطعه أرضًا شاسعة في المنيا على أن لا يعود إلى الثورة والعصيان أو التمرُّد على السلطات المصرية هو وعرب الجوازي، وفعلًا وفيَّ كيلاني بالعهد للخديوي وصارت أحواله أقرب لطاعة الدولة، واستقر من حينها أمر الجواري وصاروا من العرب الموالين للدولة، ومالوا إلى الفلاحة والزراعة في الأراضي، حتى اختلفوا مع الخديوي سعيد بقيادة عمر المصري بسبب التجنيد في الجيش، وهذا ما سنُفصِّل عنه تباعًا.
[الحرب بين الجوازي وأولاد علي]
كانت هذه الحرب نتيجة للوقيعة التي كان يدبرها حاكم مصر في ذلك الوقت الخديوي سعيد بن محمد علي، فقد كانت قبائل العرب ترفض دفع الضرائب باعتبارها في نظرهم جزية، وجرَّ ذلك على تلك القبائل عداء السلطة وكثيرًا ما كان الخديوي سعيد يرسل حملاته لتأديب عرب المنيا والفيوم. ونسوق هنا ما كتبه أحد المؤرخين المشهورين وهو الأستاذ حبيب جلماتي تحت عنوان (عمر المصري والطربوش المغربي) ويقول في هذا المقال (١): وكان بكر المنياوي أعرابيا من قبيلة الجواري الضاربة في إقليمي المنيا والفيوم والمشهورة بالفروسية وتربية الخيول العربية الأصيلة وتوريد الجمال (الإبل) والماشية لأهل المدن على طول مجرى النيل، وكانت مهنة بكر هي التوسط بين الموردين والمستوردين مما جعله كثير الأسفار دائم التنقل من مكان إلى مكان، وأما سكينة فأعرابية مثله تنتمي إلى قبيلة أولاد علي الكبيرة في الصحراء الغربية، وقد تزوجها بكر في إحدى رحلاته إلى برقة ووجد فيها خير رفيق في حياته وخير معين في عمله، ولم يدُر حديث الزوجين في ذلك اليوم وهما عائدان من القاهرة وقد استوى كل منهما على ظهر ناقته حول رحلة جديدة يفكران فيها أو صفقة رابحة يسعيان إليها، بل كان
(١) عن كتاب أنساب العرب لعبد السلام الحبوني، والحبوني من قبيلة حبون إحدى قبائل الأشراف الأدارسة.