للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عاقبته العزل السريع العنيف من قِبَل هشام، وكما قال زُهير بن أبي سُلمى شاعر مُزَيْنَة:

ومن لَمْ يُصَانِعْ في أمور كثيرة … يُضَرَّس بأنْيابٍ ويُوطَأْ بمنسم

عبد الله بن خازم السُّلَمي

يكنى أبا صالح كان شجاعًا صنديدًا وفارسًا مغوارًا وقائد حرب مُحنَّكًا، وكانت أمه سوداء، فهو من هذه الناحية يماثل خُفافَ بن ندبة الذي كانت أمه (نُدْبَةُ) سوداءَ، وكان أقوى النّاس أَيْدًا وأعظمهم بسالة، وقد وُصِفت قوته البطولية الخارقة فقيل كان أقوى من الأسد؛ وذلك لأنه فتح مدينة وحده!، كان على خراسان عشر سنين، وكان الحشرج بن الأشهب جمع له جموعًا وغلب على قهستان، فسار إليه عبد الله بن خازم، فقتله وأخذها منه، ثم فتح الطبسين، ثم ثار به أهل خراسان من العرب وقاتلوه فخر صريعًا بالمعركة.

ولما قدم قَتَيْبَةُ بن مسلم الباهلي خراسان، أبْلَغَ النّاس بقوله: "من كان في يديه شيء من مال عبد الله بن خازم فلينبذه، وإن كان في يده فليلفظه، وإن كان في صدره فلينفثه". وقد عجب النّاس من حسن ما فَصَّل وَقَسَّمَ، ثم غبر بعد ذلك عيال عبد الله بن خازم، وما بخراسان أحسن حالًا منهم (١).

ويبدو لي أن حسنًا السندوبي قد دخل عليه وهم في تحقيقه الذي شرح به سيرة عبد الله بن خازم، فقد ذكر فيما ذكر أن (قَتْلَهُ بالمعركة كان في عهد معاوية: سنة ٥٦ هـ) (٢)، والواقع الذي يقرره التاريخ الصحيح أنَّ عبد الله بن خازم كان والي خراسان لعبد الله بن الزبير، وحاول عبد الملك بن مروان أن يستميله إليه مختلف وسائل الإغراء السياسي والمادي فلم يقبل نقض بيعته لابن الزبير، وأصَرَّ عليها كلّ الإصرار، فلما يئس عبد الملك من اجتذابه إليه سلط عليه تبار دهائه فجعل كبار معاونيه ورجاله الذين يعتمد عليهم في كفاحه وولايته، ينقلبون عليه خفية وهو لا يدري، ولقد تآمروا عليه حتى قتلوه في معركة ضارية جرت بينهم


(١) البيان والتبيين للجاحظ، ص ٨٧ و ٨٨، طبع المطبعة الرحمانية بمصر.
(٢) شرح البيان والتبيين للسندوبي، هامش الصفحة ٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>