للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالت: فأين تريد في هذه المفازة؟

قال: ذكرت عزَّة وأنا بمصر فلم أجد أن خرجت نحوها على الحال التي ترين.

قالت: فلو أن عزَّة لقيتك فأمرتك بالبكاء أكنت تبكي؟

قال: نعم.

فنزعت عزَّة اللثام عن وجهها وقالت: أنا عزَّة فإن كنت صادقًا فافعل ما قلت، فأفحم.

فقالت للقائد: قد قطارك فقاده وبقي كُثَيِّر مكانه لا يحير (١): ولا ينطق حتى توارت، فلما فقدها سالت دموعه وأنشأ يقول:

وَقَضَّين ما قَضَّيْنَ ثم تَرَكْتَنِي … بِفَيْفَا خُرَيْمٍ قائمًا أتَلدَّدُ (٢)

تَأَطَّرْنَ حتَّى قلْتُ لسْنَ بَوَارِحًا … وَذُبْنَ كما ذابَ السديفُ المسَرهَدُ (٣)

أقُولُ لماء العين أَمْعِنْ لَعَلَّهُ … لما لا يُرى من فائب الوِجْد يشْهَدُ

فَلَم أَرَ مثَلَ العينَ ضَنَّت بِمَائِهَا … عَليَّ ولا مثْلي على الدَّمْع يَحْسُدُ

وبَينَ التَّراقِي واللَّهاةِ حَرارَةٌ … مَكَانَ الشَّجَى ما إن تَبُوحَ فَتبرُدُ

وعادت عزَّة إلى مصر وخرج كُثَيِّر يريد مصر فوافاها والناس ينصرفون عن جنازتها (٤).

كُثَيِّر والحزين الدّيليّ:

التقى كُثَيِّر والحزين الدّيليّ بالمدينة في دار ابن ازهر في سوق الغنم، فضمهما المجلس، فقال كُثَيِّر للحزين: ما أنت بشاعر يا حزين، إنما توصل الشيء.

فقال له الحزين: أتأذن لي أن أهجوك؟

قال: نعم.


(١) لا يحير: لا يدري ماذا يفعل.
(٢) الفيفا: الصحراء الواسعة. وأتلدد: أتلفت يمينة ويسرة في حيرة.
(٣) تأطرن: جاء في لسان العرب: تأطرت المرأة إذا لزمت بينها وأقامت فيه. والسديفُ: شحم السنام، والمسرهد: السمين.
(٤) الشعر والشعراء: ٣٤٠، ٣٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>