للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان كُثَيِّر قبل ذلك وهو ينتسب إلى بني الصلت (١) بن النضر بن كنانة وقال:

أَليسَ أبي بالنَّضرِ أو ليس إخوتي … بِكلِّ هجانٍ من بني الصَّلت أَزْهَرًا

فإن لم تكونوا من بني الصَّلت فاتركوا … أرَاكًا بَأذيالَ الخمائل أَخْضَرا (٢)

فلما أذن كُثَيِّر للحزين أن يهجوهن قال الحزين:

لَقَدْ عَلقَتْ زُبَّ الذُّبابِ كُثَيِّرًا … أسَأودُ لا يُطنينه وَأَراقمُ (٣)

قَصيرُ القَميصِ فَاحشٌ عندَ بيته … بَعَضُّ القُرادُ باسْتِهِ وهو قَائِمُ

فقام كُثَيِّر فحمل عليه فلكزه، وكان الحزين طويلًا أيّدًا، فقال له الحزين: أنت عن هذا أعجز، واحتمله فكان في يده مثل الكرة، فضرب به الأرض، فخلصه منه الأزهريون، فبلغ ذلك أبا الطُّفيل عامر بن واثلة وهو بالكوفة، فأقسم لئن ملأ عينيه من كُثَيِّر ليضربنه بالسيف أو ليطعنته بالرمح، وكان خندف الأسدي صديقًا لأبي الطفيل، فطلب إلى أبي الطفيل في كُثَيِّر واستوهبه إياه فوهبه له، والتقيا بمكة وجلسا جميعًا مع عمر بن علي بن أبي طالب، فقال: أما واللَّه لولا ما أعطيت خندفًا من العهد لوفيت لك، ولقد رثي كُثَيِّر خندفًا بقصيدة مطلعها:

يَنَالُ رجالًا نفعه وهو منهمُ … بعيدٌ كَعيُّوقِ الثرَيَّا المُحَلِّقِ (٤)

ولم يخطر بفكر كُثَيِّر بأن الحزين الديلي سيبلغ منه ما بلغ في هجائه له ببيت واحد، وهو من الهجاء المقذع المر:

قَصيرُ القَميصِ فَاحشٌ عندَ بيته … يَعَضُّ القُرادُ باسْتِهِ وهو قَائِمُ

وهذا ما أثار حفيظته وانتهى الأمر إلى تدارك الموقف بينهما؟


(١) الصلت بن النضر كان كُثَيِّر يدعي الانتساب إلى قريش.
(٢) الخميلة: المهبط الغامض من الرمل والتي يشبه نبتها خمل القطيفة.
(٣) الساود: الحبات. ولا يطنينه: لا يبقين عليه. والأرقم: أخبث الحياة وأطلبها للناس.
(٤) العيوق: كوكب أحمر مضيء بحيال الثريا في ناحية الشمال، ويطلع قبل الجوزاء أغاني ٩/ ٧، ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>