للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه نظر إلى عزَّة ذات يوم وهي متنقبة تميس في مشيتها، فلم يعرفها كُثَيِّر وقال: يا سيدتي! قفي حتى أكلمك فإني لم أر مثلك قط، فمن أنت ويحك؟ قالت: ويحك! وهل تركت عزَّة فيك بقيةً لأحد؟

قال: بأبي أنت! واللَّه لو أن عزَّة أمة لي لوهبتها لك.

قالت: فهل لك في المخاللة؟

قال: وكيف لي بذلك؟

قالت: أني وكيف بما قلت في عزَّة؟!

قال: أقلبه فاحوله إليك.

فسفرت عن وجهها ثم قالت: أغدرًا يا فاسق وإنك لهكذا! فأبلس (١) ولم ينطق وبهت، فلما مضت أنشأ يقول:

ألا ليتني قبل الذي قلتُ شيبَ لي … من السُّمِّ جَدْحَاتٌ بماءِ الذَّرَارحِ (٢)

فمتُّ ولم تعلمَ عليَّ خَيانَةً … وكم طالبٍ للربح ليس برابح

أبوءُ بذنبي إنني قد ظَلَمْتُها … وَإنِّي بباقِي سِرِّها غيرُ بائِحِ (٣)

لقاء عزَّة وكُثَيِّر:

. . . عن أبي عمرو الجُهنيّ عن أبيه قال:

سارت علينا عزَّة في جماعة من قومها، فتزلت حيالنا، فجاءني كُثَيِّر ذات يوم فقال لي: أريد أن أكون عندك اليوم فاذهب إلى عزَّة، فصرت به إلى منزلي، فأقام عندي حتى كان العشاء، ثم أرسلني إليها وأعطاني خاتمه وقال: إذا سلَّمت، فَستَخرُج إليك جارية، فادفع إليها خاتمي وأعلمها مكاني، فجئت بيتها فسلَّمت فخرجت إليَّ الجارية فأعطيتها الخاتم فقالت: أين الموعد؟ قلت: صَخَراتُ أبي عُبيد الليلةَ، فواعدتها هناك، فرجعت إليه فأعلمتُه فلما أمسى قال لي: انهض بنا، فنهضنا فجلسنا هناك نتحدث حتى جاءت من الليل فجَلَسَتْ فتحدَّثا فأطالا،


(١) أبلس: سكت وتحير.
(٢) الجدحه: اللته. والذرارح: دويبات أعظم من الذباب.
(٣) الأغاني ٩/ ٣١، ٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>