للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أحوال العرب الهلالية لعهد الحفصيين والزيانيين والمرينيين]

استكان العرب بعد ثورة ابن غانية لقوة الدولة التي عرفت كيف تسوسهم، لكن الحفصيين نواب بني عبد المؤمن بتونس استقلوا عنهم وحنو إلى وطنهم، فطمعوا في فتح مراكش، ولم يقووا على تحقيق أمانيهم إلا بمعاضدة زناته، فعاضدتهم وهي تسرحسوا في ارتغاء، وكانت النتيجة سقوط الدولة المؤمنية وقيام ثلاث دول مكانها هي الحفصية والزيانية والمرينية.

لم تعترف هذه الدول بعضها ببعض بالاستقلال، فاستمرت الحروب بينهم، وربما وقعت الحرب بين الأمراء المرشحين للملك في الدولة الواحدة، وتقاربت قواتهم الحربية والسياسية فلم ينحسم النزاع.

وكان ملوك تلك الدول في حاجة إلى العرب لكن اضطربت سياستهم معهم، فإذا كانت الحرب واحتاجوا إليهم أقطعوهم الأراضي الواسعة وجباية القبائل المستضعفة ونفحوهم بالهدايا والأموال وقربوهم بالصهر والاستشارة، وإذا استغنوا عنهم بالسلم قلبوا لهم ظهر المجن وحاولوا تجريدهم من امتيازاتهم فلم يعدم العرب في الامراء المرشحين للملك والملوك الطامعين في التوسع ما يعينهم على إحداث ثورة للاحتفاظ بامتيازاتهم.

وكان العرب يحسنون الاستفادة في أمثال هذه الظروف لتقوية حريتهم وتوسيع مجالات تنقلهم في الشمال والجنوب وكانوا يفترقون حسب افتراق مصالحهم على الدول والملوك.

ونتج عن هذه السياسة ضعف الدول وفقد الأمن وقلة الإنتاج واستحكام العداوة بين القبائل وطمع إسبانيا في امتلاك المغرب، ولولا قيام الدولة التركية بأساطيلها في وجوه الدول الأوربية للحق المغرب بالأندلس أو صقلية. على أن عوامل الافتراق التي غرست في هذا الدور لم تزل تنخر جسمنا إلى اليوم.

والمسئول عن هذه النتائج السيئة هم الحفصيون الذين أسقطوا الدولة المؤمنية حامية الأندلس وآسية العرب ثم عجزوا عن حفظ المغرب وتوحيده، ثم اضطربت سياستهم مع العرب وقووا أغراضهم في الحياة البدوية بدلا من تمدينهم وتهذيبهم،

<<  <  ج: ص:  >  >>