بعد أن اشتدت الروابط بين طرود والباي وكثرت الهدايا من الجانبين من هنا ومن هناك صار الباي في كل مرة يلقي لهم شيئًا من حكايات الشابي رئيس القيروان ويذكرهم فيما وقع لهم مع الشابيين قديما.
أقول: الباي الذي يذكرونه هو يوسف داي ومن بعده حمودة باشا أقنة؛ لأن تاريخ تلك ألحكايات ينطبق عليهما ويُسمى الأخير محمد بن مراد. والله أعلم.
وكانت لطرود علاقات مع دُرَيْد الهلالية وكلما ذهبوا أو آبو ينزلون عليهم فيكرمونهم للعلائق القديمة التي كانت بينهم زمن دخول العرب (بني هلال وسُلَيْم)، كما أن الوالي المذكور يحرضهم على استمالة دُريْد إليه فيفعلون حتى صار بعض رؤسائهم يذهب معهم كل مرة ويرجع بفوائد جسيمة وهدايا عظيمة.
فلما أحس الباي بالتمكن أخذ من زعمائهم العهد على أنه إذا وقع بالشابي ونكل به يخرجون عن طاعته وينضمون إليه ويصيرون من قومه وأتباعه. كما أنه أخذ العهد عن طرود في الإعانة على الشابي إذا حاربهم. ورجع كل لقومه مخبرا إياهم بما كان منتظرا.
ففي زمن قريب أتى المستغيث إلى سوف فخرج غالب طرود، وبعض من غيرهم ممن لديهم علاقة أو يحمله الطمع في الإحسان أو الغنيمة لفقر وقلة احترافه يقال: خرج منهم زهاء الألف رجل ممن لا يتأخر أو يجبن عند اشتداد البأس، واضطرام نار الحرب واشتباك الملاحم.
فلما قدموا اهتزت لهم الناس وذكروهم بأحسن ذكر وأنشدت بين أيديهم وقدمت لهم أسلحة دولية وأجريت لهم نفقات يومية، وأمروا بالتنظيمات الحربية لا التقدمات الفوضوية.
فخرج لهم عبد الصمد الشابي في جنود مجندة وتحارب الفريقان أياما كان النصر في آخرها حليف حمودة باشا، وقتل من الفريقين خلق لا يحصى، قيل: إن
(١) كانت الحادثة هذه في عهد ولاية عبد الصمد بن محمد بن عبد اللطيف بن أبي الكرم بن أحمد مخلوف الشابي، وعبد الصمد هو أحد إخوة سيدي المسعود.