وهكذا يتضح لنا في مسيرة العبابدة مع الثورة المهدية أنهم قاوموا الثورة المهدية في كل مراحلها ولا سيما في الجبهة الشمالية وتعرض بعض زعمائها للسجن والقتل ولم يذعنوا لإغراءات المهدي ورجاله للانسلاخ عن الإدارة المصرية بل واصلوا خدمة هذه الإدارة بإخلاص وظلوا يشاركون في القضاء على المهدية حتى استرداد السودان.
[الخاتمة]
من ذلك كله يتراءى لنا أن العبابدة قد لعبوا دورا رئيسيا في خدمة الإدارة المصرية بالسودان، وكان هذا الدور هاما لعدة عوامل:
العامل الأول: أن العبابدة قد تمركزوا في منطقة بربر وما جاورها التي تعتبر حلقة وصل بين مصر والسودان من جهة، وبين السودان وشرقه من ناحية أخرى حيث يبدأ من بربر طريق يصلها بالبحر الأحمر، وهذا الموقع الإستراتيجي أتاح لبربر أن تكون محطة تموين ومركز حشد لمعدات الحرب.
العامل الثاني: أن العبابدة من خلال موقعهم الإستراتيجي الوسيط بين مصر والسودان كانوا أدلاء مهرة للقوافل واعتبروا بمثابة سلاطين للصحراء. فقد لعبوا هذا الدور باقتدار شديد وكانوا أشبه "بترمومتر" لقياس مدى ازدهار وكساد التجارة بين مصر والسودان. فكلما ضبطوا الطريق وحافظوا على التجارة والتجار، ولم تغال الحكومة في فرض المكوس والضرائب عليهم كان ذلك مدعاة لنشر الأمن وازدهار التجارة على طول الطريق، وفي المقابل فكلما أخل العبابدة أو تقاعسوا في أداء هذا الدور كسدت التجارة كنتيجة لخطورة الأمن على طول الطريق.
العامل الثالث: أنه مع معظم الأحداث الهامة التي ارتبطت بتاريخ العلاقات بين مصر والسودان برزت خطورة العبابدة في أداء أو المساهمة في هذا الدور.
ومن أمثلة ذلك ضم أو فتح السودان على يد إسماعيل كامل بن محمد علي وإمدادهم لهذه الحملة بالإبل والرجال، وكذلك أحداث الثورة المهدية واسترداد السودان. فقد لاحظنا كيف كان العبابدة يلعبون دورهم بحنكة عندما وجدوا