أنفسهم في خضم أحداث الثورة المهدية وفي موقف لا يحسدون عليه، وكان زعيمهم آنذاك حسين باشا خليفة الذي كان يدين بالولاء للإدارة المصرية فإذا به يجد نفسه أمام تيار جارف للمهدية يكتسح السودان ويصل إلى شماله حيث معقل العبابدة وأنه لا محالة أن يكون من المغرقين فيه. وللحقيقة التاريخية نقرر أن حسين باشا خليفة العبادي قد أثبت أنه مخلص للإدارة المصرية رغم هزيمته في بربر على يد رجال المهدية وسوقه إلى المهدي ليلاقي جزاء إخلاصه لهذه الإدارة. وقد استطاع هذا الرجل بما أوتي من دربة وحنكة أن يقنع رجال المهدي بإخلاصه لهم وأنه سوف يحاول أن يقدم خدماته لهم لكنه لم يفعل. وحين قدم للمحاكمة لم يجدوا ما يدينه فبُرئ بل وأعيد للعمل في الإدارة المصرية حتى وفاته.
العامل الرابع: وربما جاءت أهمية هذا الدور الذي لعبه العبابدة باقتدار أنهم كانوا موزعين بين أرجاء مصر والسودان وكانوا شديدي المعرفة بسيكولوجية الطرفين وكيفية التعامل معهما، وإن كانت الإدارة المصرية قد استثمرت فيهم هذه الخاصية إلى حد كبير.
وأخيرا يمكننا أن نعتبر العبابدة مفتاحا لفهم الشخصية السودانية والمصرية وعاملا هاما للتقارب بين الشعبين السوداني والمصري لا سيما وأنه قد وجد اتهام من لدن بعض الساسة السودانيين - على طول مسيرة التاريخ بين الطرفين - بأن المصريين لا يريدون فهم الشخصية السودانية. فالعبابدة من خلال مصالحهم التجارية ومصاهراتهم للسودانيين ووجود عائلات مشتركة بين مصر والسودان على طول التاريخ يمكنهم أن يلعبوا دورا هاما لإيجاد لغة حوار مشتركة.