للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسار عمران بن عامر في بقية ولده ومعه ابن أخيه جفنة بن عمرو بن عامر في نفر كثير من قومه قاصدين بلاد الشام حتى وافوها وجاوروا من كان بها من لخم وعاملة. انتهى.

فأنت ترى من هذه النصوص أن المتقدمين من المؤرخين -وهم لا يخرجون عما نقلنا- يكادون يعللون خروج كل القبائل القحطانية من اليمن بخراب السدّ، ويجعلهم كلهم من أهل مأرب.

وانتقال تلك القبائل -أو جلها- من اليمن أمر معقول ومقبول، ولكن كونها انتقلت أثر خراب السدّ أمر مشكوك فيه، ذلك أن المتقدمين يؤرخون حادثة الخراب بأنها في عصر الملك الفارسي دارا بن بهمن (١)، ودارا هذا هو الذي غزاه الإسكندر الكبير في منتصف القرن الرابع قبل الميلاد، والأدلة التاريخية والنقوش التي عثر عليها في أمكنة كثيرة في جنوب الجزيرة وشمالها، وفي أمكنة أخرى خارجها، تدل على انتشار كثير من تلك القبائل التي ورد ذكرها خارج اليمن قبل سيل العرم، وليس من المعقول أيضًا أن تلك الرقعة الصغيرة من الأرض وهي مأرب تتسع لعدد كبير من السكان يتكون من قبائل.

والأمر الذي لا ريب فيه أن انتقال تلك القبائل كان في فترات متفرقة، وفي أزمان متباعدة، فعندما تضيق البلاد بسكانها ينتقل قسم منهم بحثًا عن بلاد تُلائم حياتهم. وللأستاذ محب الدين الخطيب بحث ممتع عن هجرات القبائل دعاه "اتجاه الموجات البشرية في جزيرة العرب".

[وقال الجاسر عن أصول قبيلتي غامد وزهران في قبائل الأزد]

ومما ينبغي ملاحظته فيما يتعلق بأنساب القبائل العربية قديمها وحديثها اختلاط الأنساب وتداخلها، وهذا ناشئ من عدة أمور منها التحالف والتجاء قبيلة ضعيفة إلى قبيلة أقوى منها، وانضواؤها تحت اسمها، ومنها التجاور في المنازل الذى ينشأ عنه الاختلاط غالبًا، أما بسبب قرابة من طريق المصاهرة، أو جهل نسب إحدى القبيلتين وظنها أنها من القبيلة الأخرى، ولعل هذا يوضح سبب التداخل بين قبيلتي عدوان وزهران وهو تداخل قديم حيث نجد في كتاب


(١) "السيرة" الورقة الـ ٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>