للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو ذئب السُّلَمي

يُعتبر "أبو ذئب" من صبَاحِ - بكسر الصاد المهملة والباء التحتية الموحدة فألف فحاء جمع صبيح - بني سُلَيْمَ، ولذلك غَرَّبهُ عمر بن الخطاب أيضًا، أسوة بزميله. فقد ذكر الرواة أن عمر كان يعسُّ بالمدينة ليلًا، إذ سمع نسوة يتحدثن، فإذا هُنَّ يقلن: أيُّ أهل المدينة أصْبَحُ؟ فقالت امرأة منهن: أبو ذئب!، فلما أصبح عمر سأل عنه، فإذا هو من بني سُلَيْم، فلما نظر إليه عمر إذا هو من أجمل الناس، فقال له عمر: "أنت والله ذِئْبُهُنَّ!!! - "قالها مرتين أو ثلاثًا" - والذي نفسي بيده لا تجامعني بأرض أنا بها. (والشطر الأخير من هذه الكلمة التي خاطب بها عمر أبا ذِئْبٍ، هي مثل الشطر الأخير من الكلمة التي خاطب بها نصر بن حجاج). قال أبو ذئب: فإن كنت لابد مُسَيِّرِي فَسَيِّرنْي حيث سَيَّرْتَ ابن عمي - يعني نصر بن حجاج السُّلَمي - فأمر له بما يصلحه أيضًا، وسَيَّرْهُ إلى البصرة (١).

وهكذا اختار أبو ذئب منفاه من المدينة بنفسه، ونزل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عند رغبته، لأنه يشعر بأن لا ذنب له فيما قالته المرأة عنه وسَمِعَهُ ليلًا وهو يقوم بمهمة الْعَسِّ في شوارع المدينة وأزقتها، لضمان الأمن والاستقرَار والأخلاق الإسلامية الكريمة.

ولأبي ذئب الحق في اختيار البصرة مَنْفىً له، لأنها بلد حديث الإنشاء، وفيها بنو عمومته، فإذا أقام به فلن يكون غريبًا، ولن يشعر بقلق نفسي كبير هنالك بسبب الغربة التي فرضت عليه من قِبَل الخليفة العادل.

جعدة السُّلَمي

أمّا جعدةُ السُّلَمي، فقد اشتكاه شاعر مجهول لَبِقٌ إلى عمر بن الخطاب، وكان جعدة مقيمًا في المدينة مع جالية قومه الذين نزحوا من ديارهم إلى عاصمة الخلافة الأولى، وكانت الشكوى محبوكة، وتتضمن أنه يغشى بيوت البدو فيما وراء جبل سَلع، حيث منَازِلُ بني سعد بن بكر من هوازن، وأسلم من خُزاعة، وجُهينة من قُضاعة، وغفَار من كنانة. وقد رمز "الشاعر" إلى النساء اللواتي يَحْفُفْنَ بجعدة السُّلَمي (وَلابُدَّ أنه كَان فتى جميلًا أيضًا) من نساء تلك الأحياء،


(١) الطبقات الكبرى، لابن سعد، ص ٢٨٥، المجلد الثالث.

<<  <  ج: ص:  >  >>