والعرب بداة لا غرض لهم في المُلك، فليس عليهم ضمان في هذه النتائج السياسية التي هي خاصة المُلك ولعلنا بهذا الفصل وضعنا أساس البحث للناقد البصير في قواعد ابن خلدون الاجتماعية التي وضعها على حساب العرب البداة دون الحفصيين الملوك الذين كان ريشه منهم وهواه معهم، يعرف ذلك من عرف حياته ودقق النظر في أساليب تاريخه، فأدرك الفرق بين أسلوبه في الدولة الحفصية وأسلوبه في غيرها، حتى أنه أجهد نفسه في تصحيح نسب ابن تومرت في آل البيت ونسب الحفصيين في آل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مع أنه أنكر أنسابًا هي أقوى من هذين النسبين والكمال لله.
رياح والأثبج وسُلَيْم
كانت قبيلة عوف من سُلَيْم تجاور رياحا على حدود عمالة قسنطينة، وتبلغ ناجعتها نواحي بونة، ولها بطنان هما مرداس وعلَّاق، ومن علَّاق حصن ويحيى ومن حصن حكيم وبنو علي، ومن يحيى الكعوب، ومن الكعوب أولاد مهلهل وأولاد أبي الليل، ومن أولاد أبي الليل الأعشاش.
وكان أبو زكرياء الحفصي اصطنع عوفًا على رياح فأخرجتهم إلى عمالة قسنطينة، وجازتها الدولة على ذلك بالتضريب في بطونها، حتى لا يستبدوا عليها فكان المغلوبون من عوف ينزلون على رياح للإجلاب على الدولة، واستقرت رئاسة عوف في أولاد مهلهل وأولاد أبي الليل، وتنازعوا أمرهم بينهم وأصبح حال الدولة بينهم حال القائل؛ رضى هذي يحرك سخط هذي.
وحكيم من عوف كانوا يحالفون تارة أولاد مهلهل وأخرى أقتالهم، واشتهر من شيوخ حكيم أبو زيد بن عمر بن يعقوب وابنه خليفة ومحمد بن مسكين وخليفة ابن أخيه، وكان منهم أول القرن التاسع الشيخ المرابط أحمد بن أبي صعنونة بن عبد الله بن مسكين.
وكان بمقرة بيوت من ذباب ومرداس، أوقع بهم المستنصر سنة ٦٥١ هـ واعتقل منهم بالمهدية في تونس رحاب بن محمود وابنه في آخرين.