وأقطع الحفصيون كرفة من الأثبج بادس والزاب الشرقي وجباية الأوراس الشرقي؛ ليوقعوا رياحا بين نارين، فلم تفعل كرفة أكثر من المحافظة على إقطاعها، ولم يجدوا في بقية بطون الأثبج من يقدر على مقاومة رياح، وإن بقيت في بعضهم رئاسة.
قال ابن خلدون:"ورئاسة أولاد وشاح من دريد لعهدنا منقسمة بين سجيم بن كثير بن جماغة بن وشاح، وأحمد بن خليفة بن رشاش بن وشاح، ورئاسة أولاد مبارك بن عابد منقسمة أيضًا بين نجاح بن محمد بن منصور بن عبيد بن مبارك، وعبد الله بن أحمد بن عنان بن منصور" اهـ.
وكان شيخ محيَّا من العمور في القرن الثامن هو عامر بن أبي يحيى بن محيَّا حج ولقي بمصر يوسف الكوراني شيخ الصوفية، فلقن طريقه وحمل عليه قومه وعني بتأمين السبل فحارب النضر جيرانه لإفسادهم، فاغتالوه.
وفي عصره كان شيخ أولاد زعرير؛ يغمور بن موسى بن أبي زيد بن زكرير فكان يناهضه في شرفه، ولكن عامرًا تسوَّد عنه لجمعه بين مشيختي القبيلة والطريقة.
وكانت عياض من الأثبج تتولى جباية جيرانها من البربر لصاحب بجاية، وأكثر الأثبج عجزوا عن الظعن وأقاموا بالمدن، وانضوى تحت لواء رياح الضحَّاك ولطيف والعمور الشرقيون.
غلبت رياح أولا على منطقتي الهضاب والصحراء من عمالة قسنطينة إلى زاغر من عمالة الجزائر، وعنوا بالفلاحة وتربية المواشي، فأثروا وكثروا واعتزوا على الدولة الحفصية لبعدهم عن عاصمتها، وأصبحوا مأمنا لكل مسخوط من الدولة وعونًا لكل ثائر يخطب المُلك.
وكانت لهم امتيازات وإقطاعات منحهم إياها ملوك أعانوهم على تبؤ العرش أو على حمايته من ثائر عليه حتى أن الذواودة كان لهم بقسنطينة عطاء معلوم مرتب على مراتبهم، علاوة على ما بأيديهم من البلاد وما لهم من خفارات، وكانوا معفين من الضرائب وكان هذا مما يضر بمالية الدولة.