وفي ولاية عبد الله بن الحبحاب انتقلت طائفة من سُلَيم إلى مصر، ثم لحق بهم أحياء من هلال وأحلافهم، واشتغلوا بالفلاحة والكسب، فراشوا وكثروا. ودخل إخوانهم بالجزيرة في دعوة القرامطة سنة ٣١٦ وحارب الفاطميون القرامطة بالشام، وانتصر عليهم العزيز بن المعز، فنقل كثيرًا من سُلَيْم وهلال إلى صعيد مصر، وأمعن في نقل هلال بحيث لم يبق منهم بنجد إلا العاجز عن الحرب ونزل بنو قرة من هلال ببرقة.
كانت هذه القبائل بادية ظواعن، أشرف أعمالهم الغارة وأطيب مكاسبهم النهب، لم يتهذبوا بآداب الإسلام، ولم يقدر على إخضاعهم لا الأمويون ولا العباسيون ولا الفاطميون، فأكثروا من الفساد، وتضرر بهم العباد والبلاد.
هذه الصورة موجزة من خبر هذه القبائل قبل دخولها المغرب، وكان حظ الجزائر منهم بعد نزوحهم إلى قبيلة هلال وأحلافها، ولم يدخلها من سُلَيْم إلا القليل؛ ولهذا اقتصرنا في عنوان الباب على بني هلال.
[نزوح الهلاليين إلى إفريقيا]
كان بنو عبيد بمصر يدبرون الثورات بالمغرب كي لا يفقدوا نفوذهم منه. فساء ذلك ملوك صنهاجة وخشوا إن قطعوا دعوتهم أن يوجدوا السبيل على سلطانهم لمنافسيهم من أقربائهم ومشاقيهم من كتامة وغيرها، ولما ولي المعز بن باديس نصر أهل السنة وهم أكثر السكان وأضعف الشيعة حتى لا يستطيعوا مقاومته متى قطع دعوة بني عبيد.
وكان وزير بني عبيد المتحكم في دولتهم أبا القاسم الجرجرائي فطمع المعز في استفساده عليهم، ولكن لم ينل معه مراده، وتوفي سنة ٤٣٨ هـ فخلفه اليازوري، وكان دونه شأنًا. فاستخف به المعز وخاطبه بما أحفظه، فأظلم الجو بينهما، وأعلن المعز الدعاء لبني العباس سنة ٤٤٠ هـ وعجز كل من بني عبيد بمصر وشيعتهم بالمغرب عن إعادة الدعوة العبيدية بإفريقيا. فرأى اليازوري أن يرسل على المعز عرب الصعيد، فإن ظفروا به وإلا فلها ما بعدها.
وفي سنة ٤٤٢ هـ أذن اليازوري لعرب الصعيد بإجازة النيل، ورغبهم في أرض المغرب وأعان من أجابه منهم ببعير ودينار، وأقطع زغبة طرابلس وقابس،